جواب سؤال
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1) الشركات والمصانع والعلامة التجارية
نعلم أن الشركات في الإسلام لا بد من وجود البدن فيها، فإن أنشئت شركة لغرض إقامة مصنع ينتج مثلا أجهزة كهربائية أو إلكترونية وصار لهذه الشركة ومصنعها علامة تجارية معروفة في السوق، ثم حصل أن أراد أصحاب الشركة بيعها:
أ) هل هناك شيء في الإسلام اسمه “القيمة السوقية للشركة” بعيدا عن موضوع الأسهم في الرأسمالية؟
ب) هل للعلامة التجارية قيمة تقيم بها عند بيع المصنع؟
ج) هل العلامة التجارية تتبع المصنع أم الشركة، أي لو بقيت الشركة وباعت مصنعا من مصانعها أو خط إنتاج لجهاز من أجهزتها فما المعتبر في تقدير السعر؟
د) في حالة فض الشركة ماذا يحدث للعلامة التجارية؟
هـ) المصنع التابع للشركة يكون له صادرات وواردات وقد يكون عليه ديون مستحقة لها آجال لموردي المواد الخام مثلا وله أموال مستحقة على التجار لآجال مختلفة، فهل يجب “تصفير” الديون والمستحقات قبل البيع مع العلم أن هذه عملية مستمرة طوال الوقت طالما هناك إنتاج؟
و) ماذا عن الموظفين وتعاقداتهم مع الشركة عند بيع المصنع؟
2) شركات الخدمات
هناك شركات لا يحتاج إنشاؤها إلى رأس مال كبير فهي تقدم خدمات، مثال ذلك شركة برمجيات فهي تقوم على فكرة، فتعمل برنامجا أو تطبيقا أو أكثر وتبيعه في السوق وهذا التطبيق (الذي هو مجرد أكواد برمجية تؤدي وظيفة معينة) ويصبح لهذا التطبيق عدد كبير من المستخدمين وبالتالي قد تصبح لهذه الشركة قيمة سوقية كبيرة بناء على ذلك، عند بيع التطبيق لجهة أخرى (شركة أخرى) فهي تبيع الفكرة وما ترتب عليها من أسطر من الأكواد البرمجية بحيث لا يحق لها أن تستخدمها بعد البيع فتنتج مثلها (أي الفكرة)، مثال ذلك تطبيق يقوم بحساب مسار السيارة من مكان إلى آخر واختيار أفضل الطرق وزمن الوصول… الخ، كيف يتم التعامل مع هكذا واقع في الإسلام؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أولاً: قبل الإجابة على أسئلتك الكثيرة أحب أن أنوه إلى أن الشركات في الإسلام مختلفة عن الشركات في النظام الرأسمالي، فالشركة شرعاً (هي عقد بين اثنين فأكثر، يتفقان فيه على القيام بعمل مالي، بقصد الربح)، فالشركة في الإسلام ليست شخصية معنوية تحصل التصرفات منها بهذه الصفة وإلا كانت هذه التصرفات باطلة شرعاً، بل هي جهة مشخصة لا بد فيها من بدن متصرف، وقد وضحنا هذا الأمر في كتاب النظام الاقتصادي عند البحث في الشركات المساهمة وبطلانها فقلنا:
[… الشركة عقد على التصرف بمال، وتنمية المال بها هي تنمية للملك، وتنمية الملك هي تصرف من التصرفات الشرعية، والتصرفات الشرعية كلها إنما هي تصرفات قولية، وهي إنما تصدر عن شخص، لا عن مال. فلا بد من أن تكون تنمية الملك من مالك التصرف، أي من شخص، لا من مال…
وعلى ذلك تكون التصرفات التي تحصل من الشركة بوصفها شخصية معنوية باطلة شرعاً؛ لأنّ التصرفات يجب أن تصدر عن شخص معين، أي عن إنسان مشخص، وأن يكون هذا الشخص ممن يملكون التصرف…
والتصرفات شرعاً لا تصح إلاّ من إنسان مشخص له أهلية التصرف، بأن يكون بالغاً عاقلاً، أو مميزاً عاقلاً. وكل تصرف لم يصدر على هذا الوجه فهو باطل شرعاً. فإسناد التصرف إلى شخصية معنوية لا يجوز، بل لا بد من إسناده إلى من يحوز أهلية التصرف من بني الإنسان…] انتهى.
وبعبارة أخرى فإن أعما الشركة ونشاطاتها في الإسلام لا تنفك عن الشركة ذاتها وعن الشركاء فلا تكون الشركة شيئاً وتكون نشاطاتها وأعمالها شيئاً آخر غيرها… لكن بعض الأسئلة التي سألتها يظهر فيها التأثر بالواقع العملي للشركات الغربية حيث يمكن أن تكون بعض نشاطاتها منفصلة عنها، فيكون للشركة شخصية معنوية منفكة عن مصانعها مثلاً… وهذا أمر غير متصور في الشركة شرعاً، بل الشركة شرعاً لا تنفك عن الشركاء وخاصة شريك البدن كما أنها لا تنفك عن أعمالها ونشاطاتها لأن عقد الشركة منصب على هذه الأعمال والنشاطات…
ثانياً: الأجوبة على أسئلتك:
1- الشركة في الإسلام باسمها ومسماها لا تباع ولا تشترى بل يمكن تصفيتها باتفاق الشركاء على الوجه الشرعي وتقسم أصولها المادية والأرباح على الشركاء حسب مقدار مشاركتهم ومن ثم تنتهي الشركة، أي ينتهي وجودها لا أن تباع لجهة أخرى وتبقى الشركة قائمة باسمها وبصفتها وإنما يتولاها الذين اشتروها! فليس للشركة قيمة مادية في ذاتها لأن الشركة هي (عقد بين اثنين فأكثر، يتفقان فيه على القيام بعمل مالي، بقصد الربح)، أي الشركة في الإسلام هي الشراكة والاشتراك وليست تلك الشخصية المعنوية المنفكة عن أصحابها كما هي في بعض صورها في النظام الرأسمالي… أما الذي يباع ويشترى فمن الممكن شرعاً أن تكون ممتلكات الشركة من أبنية وآلات وموقع وجودة الإنتاج ونحو ذلك مما يتفق عليه البائع والمشتري… فإذا تم البيع فقد انتهت الشركة القديمة وأصحابها وأصبحت شركة جديدة بأصحاب جدد…
2- ما تطلق أنت عليه (القيمة السوقية للشركة) أو المصنع إذا كانت راجعة إلى ما هو مباح في الشرع كالشعار التجاري والعلامة التجارية والسمعة والزبائن ونحو ذلك من أمور تجعل للمصنع أو الشركة قيمة زائدة عن قيمة موجودات المصنع أو الشركة ففي هذه الحالة يمكن أن تراعى تلك العوامل في تقويم المصنع عند بيعه، أو تقويم الشركة عندما يريد أحد الشركاء أن يخرج منها لتقدير مستحقاته… وأما إذا كانت راجعة إلى أمور غير مباحة كالملكية الفكرية ونحوها فلا يجوز أن ينظر إليها عند التقويم المذكور أعلاه.
3- إذا كان لشركة ما شعار تجاري أو علامة تجارية تعتمدها في منتجات أحد مصانعها ولا يكون عليه اسم الشركة بل فقط المصنع فلها إذا أرادت أن تبيع ذلك المصنع أن تبيع الشعار التجاري والعلامة التجارية تبعاً للمصنع، أما إذا كان الشعار التجاري والعلامة التجارية عليه اسم الشركة المباعة فينتهي مع بيع الشركة.
4- العلامة التجارية كما ذكرنا تعبر عن الجهة المنتجة للسلعة، وقيمتها مستمدة من جودة السلعة ومن السمعة التي حصل عليها منتج السلعة في السوق… إلخ، فإذا انفضّت الشركة المنتجة للسلعة وانتهى الإنتاج فتصبح العلامة التجارية لاغية تبعاً لانفضاض الشركة، ولا يصح لأحد أن ينتحلها لنفسه لأنها ليست له… أما إذا أراد أحد الشركاء ترك الشركة فإن قيمة العلامة التجارية يمكن أن تؤخذ في الحسبان عند تقويم موجودات الشركة وذلك من أجل إعطاء الشريك المفارق حقه في الشركة.
5- بالنسبة لسؤالك: (المصنع التابع للشركة يكون له صادرات وواردات وقد يكون عليه ديون مستحقة لها آجال لموردي المواد الخام مثلا وله أموال مستحقة على التجار لآجال مختلفة، فهل يجب “تصفير” الديون والمستحقات قبل البيع مع العلم أن هذه عملية مستمرة طوال الوقت طالما هناك إنتاج؟)، فالمصنع في الإسلام لا يكون منفصلاً عن الشركة بل يكون عملها أو يكون عملاً من أعمالها، والذي يكون عليه الدين ليس المصنع لأن المصنع ليس جهة مستقلة بل هو فقط العمل والنشاط المادي، فالذي يكون عليه الدين للآخرين وله الدين على الآخرين هي الشركة التي كان المصنع عملها أو كان عملاً من أعمالها، فإذا تم بيع المصنع فالذي يباع هو البناء وأدوات الإنتاج وما يلحق بها، ولكن الحقوق التي في ذمة الشركة والحقوق التي للشركة فإن على الشركة تصفيتها مع الجهات ذات العلاقة بعيداً عن موضوع بيع المصنع، فلا يصح شرعاً بيع المصنع بديونه ومستحقاته كما يحصل في النظام الرأسمالي.
6- بالنسبة لسؤالك: (ماذا عن الموظفين وتعاقداتهم مع الشركة عند بيع المصنع؟)، فإن عقود هؤلاء الأجراء شرعاً هي مع الشركة لأن المصنع ليس جهة متصرفة بل هو فقط عمل الشركة أو هو عمل من أعمالها، فإذا باعت الشركة المصنع الذي يشتغلون فيه فإن أعمالهم في المصنع تنتهي لانتهاء محلها ببيع المصنع، وهنا يمكن للشركة أن توكل لهم أعمالاً أخرى في مجالات أخرى في أعمال الشركة مع الإبقاء على عقود إجارتهم إلى حين انتهائها، ويمكنها أن تدفع لهم أجورهم عن سائر مدة الإجارة دون أن تشغلهم، ولها بالتوافق معهم أن تنهي عقودهم معها ليقيم المالك الجديد للمصنع عقوداً جديدة معهم إذا رأى ذلك مناسباً له بحكم خبرة هؤلاء الأجراء… فذلك كله متروك لتوافق الأطراف… وعلى كل، فإن عقود إجارة هؤلاء الأجراء تبقى سارية مع الشركة إلى حين انتهاء مدتها حيث إن عقود الإجارة في الإسلام لازمة ويجب أن تكون محددة بمدة معينة وتنتهي بانتهاء تلك المدة إن لم تجدد.
7- بالنسبة لسؤالك عن شركات البرمجيات والتطبيقات، فإن البرامج والتطبيقات هي منتجات لها منفعة فيجوز شرعاً بيعها، أي يجوز لشركة طورت برنامجاً أو تطبيقاً أن تبيع لجهة أخرى أصل البرنامج أو التطبيق بحيث تعطيه المعلومات والأكواد ذات العلاقة، وفي هذه الحالة فإن الشركة الأولى التي باعت البرنامج أو التطبيق لا يجوز لها شرعاً أن تبقى محتفظة باستعمال هذا البرنامج أو التطبيق ما دامت قد باعته وباعت أصله أي باعت الفكرة التي يقوم عليها التطبيق وألزمت نفسها في عقد البيع بعدم استعماله.
آمل أن تكون في هذه الأجوبة كفاية، والله أعلم وأحكم.
28 ربيع الأول 1444هـ
الموافق 2022/10/24م