بيانات صحفية اقتصادي

لن تصلح القروض ما أفسدته الرأسمالية كيف تنجو مصر من موجات القروض المتلاحقة وما يتبعها من تضخم؟

بيان صحفي

أعلن صندوق النقد الدولي موافقته على برنامج تعاون لمصر، مدته 46 شهراً، بمبلغ 3 مليارات دولار أمريكي، بحسب بيان من الصندوق السبت 2022/12/17م، وتتضمن حزمة السياسات التي يشملها البرنامج إجراءات منها التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن وتنفيذ سياسة نقدية تهدف إلى تخفيض معدلات التضخم.

إن ما تعانيه مصر من أزمات سببه في الأصل هيمنة الغرب على بلادنا وحكمها بقوانينه الوضعية الرأسمالية التي تجعل وجوده ونهبه لثروات البلاد داخل إطار القانون وواجب الحماية من الأنظمة القائمة، وكل ما يطرح من معالجات داخل إطار الرأسمالية يعمق الأزمات ويزيد معاناة الناس، وهذا ما تفعله قروض المؤسسات الدولية وما يصاحبها من قرارات كارثية.

هذه الإجراءات أو الشروط ستؤدي إلى انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار وبالتالي ارتفاع أسعار الواردات، وانخفاض أسعار الصادرات. صحيح أن انخفاض الجنيه قد يحسن من القدرة التنافسية السعرية للسلع والخدمات المصرية (بشرط أن يكون الطلب عليها في الخارج مرناً، وهذا ما لا يتوفر في الصادرات المصرية)، إلا أن ذلك سيرفع من تكلفة الواردات المصرية (التي لا تتمتع بمرونة في الطلب، ما يعني ارتفاع تكلفة الواردات بنسبة كبيرة). وتؤكد الدراسات التي تمت عن تطور حجم الصادرات والواردات المصرية على أن تخفيض قيمة الجنيه لم يكن له تأثير إيجابي على الميزان التجاري المصري؛ فكلما تنخفض قيمة الجنيه ترتفع فاتورة الواردات دون أن تنخفض كمياتها، فمصر تستورد ما يزيد عن 80% مما تستهلكه، كما أن هذا التخفيض في قيمة الجنيه لا يؤثر على حجم الصادرات المصرية، ويمكن التحقق من ذلك من خلال بيانات ميزان العمليات الجارية المصري، وسابقا أعلن المركزي المصري، أن معاملات الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي من تموز/يوليو إلى كانون الأول/ديسمبر من السنة المالية 2021 – 2022، أسفرت عن ارتفاع العجز في حساب المعاملات الجارية ليسجل نحو 7.8 مليار دولار، مقارنة بنحو 7.6 مليار دولار عن الفترة ذاتها من العام المالي السابق. (العربية 2022/4/15)، أي أن انخفاض قيمة العملة سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم وعدم القدرة على الشراء، وارتفاع نسبة الفقر والفقراء، هذا ما تحدثه القوانين الوضعية الرأسمالية في مصر، ففي أيار/مايو 2019 أعلن البنك الدولي “أن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجا” أي مؤهلون للفقر.

من المستحيل التصدي للتضخم والفقر وإصلاح الاقتصاد بشروط الصندوق وفي ظل الرأسمالية ومعالجاتها الفاسدة وعملاتها الورقية التي ليست لها قيمة حقيقية، بل إن كل ما يحدث هو محاولات للتخفيف من آثار تلك القرارات الكارثية على الناس لتفادي أو تأخير أي انفجار محتمل مع تزايد الضغوط التي تفوق احتمالهم.

يجب أن يعي الناس أن مصر بمواردها لا تحتاج لقروض ولا منح دولية حتى لو لم تكن مشروطة، فمصر في غنى عن هذا بمواردها وثرواتها، فقط إذا أحسن استغلال تنوع الموارد وإنتاج الثروة منها، وإذا تخلت الدولة عن الدولار، وفكت أي ارتباط بينه وبين اقتصادها، مع تبني عملة سندها الذهب والفضة، تقضي على التضخم، ما يؤدي إلى استقرار في الأسعار. الخلاصة أن مصر تحتاج إلى رؤية جديدة من زاوية مختلفة عن النظام الرأسمالي، ونظام بديل قادر على إحداث الفارق، فكيف يتم ذلك؟ ومن القادر عليه؟ ومن يحمل هذا النظام؟

إن مصر تملك تنوعا كبيرا في مواردها ما بين نفط وغاز وذهب ومعادن أخرى حتى رمال صحرائها كنز ثمين، فضلا عن المسطحات المائية الغنية بالأحياء البحرية وما يصاحبها من صناعات قائمة عليها، وأيضا المساحات الواسعة الصالحة للزراعة والتي تكفي لكي تزرع مصر كل ما يلزمها من نباتات استراتيجية بما يكفيها ويفيض فلا تحتاج لاستيراد غذائها، إلا أن الرأسمالية والخضوع للتبعية تمنع مصر من استغلال مواردها وتمكن الغرب من نهبها، وحتى تتمكن مصر من تلك الموارد وتسترد منابعها يجب طرد الشركات الرأسمالية المهيمنة على منابعها وتقسيم الملكيات على أساس الإسلام فتدخل منابع النفط والغاز وغيرهما من المعادن والثروات الدفينة في إطار الملكية العامة التي لا يجوز للدولة أن تملّكها لأشخاص حقيقة أو اعتبارا، بل يجب أن تقوم هي بنفسها بإنتاج الثروة منها وإعادة توزيعها على الرعية بالتساوي عينا أو خدمات، لا فرق بين غني وفقير ولا بين مسلم وغير مسلم، لقول رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ، فِي الْكَلَأِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ»، كما تمكن الدولة رعاياها من حيازة وإعمار الأرض بالزراعة والصناعة والسكن وتدعمهم في هذا السبيل فتحول الطاقة البشرية الهائلة إلى طاقة منتجة وتؤهلها لاستغلال تلك المساحات ومثيلتها من المسطحات المائية في الصيد وما يلازمه من صناعات لقوله ﷺ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضَاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» فكيف ستكون مصر حينها؟ وهل ستشكو من زيادة سكانية أو تعاني من بطالة؟

أما عن الدولار فهو عملة ورقية لا قيمة له في ذاته وهو أحد أدوات أمريكا للهيمنة على ثروات بلادنا، ووسيلة من وسائل استعباد الشعوب فلا يصح ربط الاقتصاد ولا العملة به ولا بأي ورقة لا تستند إلى قيمة حقيقية من ذهب وفضة، فيجب أن تكون عملة الدولة ذهبا وفضة أو أوراقا نائبة عنهما، وتستطيع مصر فعل هذا بسهولة، فما تملكه على الحقيقة من ذهب قادر على توفير الكثير، وكون العملة تستند إلى الذهب يجعل لها قيمة في ذاتها تتحدى الكوارث والأزمات وتتصدى للتضخم، والشرع أوجب أن تكون النقود ذهبا وفضة وربط أحكاماً شرعية بها في الزكاة والحدود وغيرها، وقد كانت كذلك حتى عهد قريب، حيث ذكر الاقتصادي الأمريكي ناثان لويس في بحث أجراه عام 2011 أن مصر ظلت أكبر دولة ذات غطاء نقدي من الذهب في العالم وتحديداً منذ عام 1926م وحتى أوائل الخمسينات وذلك على الرغم من قيامها بتخفيض قيمة العملة عام 1931 كباقي دول العالم في تلك الفترة، لتتفوق على جميع دول العالم من حيث قوة العملة الخاصة بها بما فيها بريطانيا.

إن التعامل مع الموارد والثروات وحتى العملة والقروض وغير ذلك، له أحكام شرعية تنظم كيفياته، فالإسلام نظم لنا كل أمور حياتنا بأحكام شرعية منبثقة عن عقيدة سياسية توافق ما في فطرة الإنسان من عجز واحتياج للخالق المدبر، وهذه الأحكام ضمانة حقيقية ليحيا الناس حياة كريمة تطمئن فيها نفوسهم، وقد طبقت على مدار قرون خلت حتى رأينا من حكام بلادنا من يقول: “انثروا القمح على رؤوس الجبال كي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين”، ومن يخاطب سحابة تمر في السماء قائلا: “أمطري أنى شئت فسوف يأتيني خراجك”، فنحن بحاجة إلى أمثال هؤلاء في ورعهم وتقواهم وإلى ما حكموا به من أحكام الإسلام وشرعه ونظامه، نحن بحاجة إلى دولة تطبق الإسلام كاملا شاملا غير منقوص في ظل دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾

المكتب الإعلامي لحزب التحرير في مصر