بسم الله الرحمن الرحيم
قالت منصة مزيد على موقعها السبت 2024/02/03م، إن حالة من الشلل التام سيطرت على الأسواق في مصر بسبب الانخفاض السريع في قيمة الجنيه مقابل الدولار، وعدم توفر العملة الصعبة في البنوك الحكومية، ما دفع الكثير من التجار لوقف التعاملات إلى حين استقرار الأوضاع، فيما خفَّضت غالبية المصانع قدراتها الإنتاجية خشية من الإغلاق، ونقلت عن مالك أحد مصانع المواد البلاستيكية قوله إنه فشل في الحصول على الدولار من البنوك الرسمية منذ ما يقرب من شهر تقريباً، مع بداية العام 2024، ما دفعه للاتجاه إلى السوق السوداء لشرائه، الأمر الذي انعكس على تكاليف الإنتاج في ظل الفجوة الكبيرة بين السعرين الرسمي والموازي.
كما أن الحكومة على الجانب الآخر رفعت أسعار العديد من الخدمات العامة منذ بداية 2024، ما تسبب في رفع أسعار الكهرباء والنقل، ويرى كذلك أن الحكومة ضاعفت معاناة المصانع والشركات الكبرى، بعد قرار البنك المركزي بوضع حد للسحب اليومي بالجنيه، مشيراً إلى أن انتظار الحصول على موافقة البنك المركزي لعمليات السحب التي تفوق 150 ألف جنيه يعد “خراب بيوت” لأصحاب المصالح، ويدفع العديد من المصانع لإغلاق أبوابها، فهي بالأساس تحتاج إلى تلك الأموال بشكل سريع لاستبدالها بالدولار المطلوب لعمليات الاستيراد.
التعليق:
هكذا عنونت المنصة للخبر والتقرير (بسبب أزمة الجنيه.. تجار أوقفوا التعاملات ومصانع تخشى الإغلاق)، فهذا هو حال الأسواق في مصر التي أطعمت الدنيا زمن السبع العجاف زمن نبي الله يوسف عليه السلام، وها هم أهلها يجوعون الآن تحت وطأة التضخم وغلاء سبل المعيشة جميعها وعجز الناس عن القدرة على تحمل تكاليفها يوما بعد يوم في ظل الارتفاع المستمر للأسعار وارتفاع معدل التضخم وثبات الدخول وانهيار الجنيه المصري، الأمر الذي بات يهدد فئات أخرى من الناس بالدخول تحت خط الفقر، فبينما تجاوز الدوﻻر حاجز الـ70 جنيها ثم تراجع قليلا تراجعا وهميا متأرجحا بين الـ70 والـ65، مقتربا من الـ50 تاركا الناس في أزمة حقيقية بسبب هذا التراجع الوهمي، فمصر لم تعد تنتج بل تستورد جل ما يستهلكه الناس، حتى المصانع الموجودة في مصر تحتاج إلى مستلزمات إنتاج يتم استيرادها بالدوﻻر، بخلاف الأعلاف التي تحتاجها الدواجن مثلا، وبخلاف الأدوية والمواد الفعالة والخامات المساعدة وغير ذلك مما يحتاج للدوﻻر غير المتوفر في بنوك الدولة! بخلاف هذا فقد صارت مصر مستوردة للأرز وقد كانت من كبار مصدريه، والقائمة تطول وإن لم نتحدث فيها عن القمح الذي تتصدر مصر التصنيف العالمي في استيراده، كل هذا يحتاج للدولار، فعندما يرتفع الدوﻻر متجاوزا الـ70 جنيها خلال أقل من شهرين ليسجل ارتفاعا فوق الـ20 جنيها، فهذا طبيعي في ظل فساد الرأسمالية الحاكمة وقتلها لروح الإبداع لدى الناس في التصنيع والابتكار وإلجائهم قسرا إلى الاستهلاك فقط لتصبح مصر سوقا كبيرا لمنتجات الغرب ومصدرا للمواد الخام التي تغذي شركاته الرأسمالية ناهبة الثروات.
إن الانخفاض في سعر الدولار هو انخفاض وهمي كما أسلفنا فلا يعضده إنتاج يلقى رواجا وإقبالا في السوق العالمي، اللهم إلا إن كان بيع الأصول والتفريط في الملكية الذي ينتجه النظام المصري يعده إنتاجا، وحتى لو أنعش الاقتصاد لبعض الوقت فلن يسعفه كل الوقت، وﻻ حتى دعم الداعمين من الغرب والعرب سيسعف النظام المتهالك، ربما يؤخر الانفجار لكن الانفجار وشيك، فما يعاني منه الناس أشد بكثير مما كانت عليه الأوضاع زمن مبارك، والتي أدت لخروج الناس واعتصامهم بالشوارع حتى تنحيه، ولوﻻ غياب الوعي وسذاجة البعض ومكر أمريكا لاقتلعت تلك الثورة نفوذ الغرب إلى غير رجعة، لكن ربما لم يحن وقتها بعد وربما هناك أقنعة تحتاج للسقوط لتظهر الوجوه الحقيقية لأصحابها وموقفها من الشعوب ودينها وقضاياها.
إن ما يعصف بمصر من أزمات لا يحتاج كثير جهد لعلاجه علاجا صحيحا، فقط يحتاج إلى إرادة حرة ورغبة حقيقية في رعاية الناس ورؤية صحيحة لتلك الأزمات وأسبابها قبل البحث في كيفية العلاج، وإن كانت معرفة الأسباب على حقيقتها تبين الكثير عما ينبغي القيام به في سبيل العلاج، فأزمة مصر ليست في شح الدولار وﻻ في كيفية توفيره كعملة صعبة وإنما في الاقتراض نفسه وجعله أسلوبا للعلاج بينما هو أسلوب لقتل اقتصاد البلاد وجعلها رهينة للغرب ومؤسساته الاستعمارية، ولكننا نعلم أن سياسة الإقراض والاقتراض تلك إجبارية على الأنظمة؛ مجبرة على السير فيها وقبول قراراتها وتوصياتها التي تضر حتما بالشعوب، طالما وضعت الأنظمة حبال الغرب في أعناقها وانساقت خلفه طواعية، ولهذا فأول العلاج هو الانعتاق من تبعية الغرب والفكاك من رأسماليته وقروضه ومؤسساته الاستعمارية، وبالتالي نبذ كل ما يتفرع عنها من قرارات وسياسات، وتطبيق نظام جديد يلهم الناس القدرة على الإبداع في الإنتاج والتصنيع بل ويدعمهم في هذا السبيل، وليس غير الإسلام بنظامه الشمولي يحقق هذا؛ فهو نظام العدل والرعاية الذي يكفل للناس حقوقهم بغض النظر عن دينهم ولونهم وطوائفهم، بل ويمكنهم من زراعة الأرض وإحيائها بالإعمار والسكن، ويجعل هذا سببا لتملكها، ويدعم التصنيع الثقيل ويجعله أساسا للتصنيع في الدولة، فيضع أساسا لاقتصاد حقيقي قوي بذاته. ومن أقوى ما في نظام الإسلام واقتصاده أنه جعل النقود ذهبا وفضة أو ورقة نائبة عنهما بحيث تصبح النقود لها قيمة في ذاتها وليست مجرد ورق بلا قيمة ككل العملات التي بين أيدينا والتي يسرق بها الرأسماليون جهودنا وثرواتنا.
إننا حقا بحاجة إلى الإسلام ونظامه فهو وحده الذي يحقق طموح من خرجوا للثورات وهو وحده الذي يمكن أن يخرج الناس من جديد لثورة حقيقية تقتلع هذا النظام من جذوره، ولكن فقط يحتاج أن يراه الناس ويرون ما فيه من معالجات حقيقية، ويثقون فيمن يحملون لهم هذه المعالجات ويسلمونهم قيادتهم، وأن ينحاز لهذا المشروع ومن يحملونه مخلصون في جيش الكنانة قادرون على التغيير وإحداث الفارق وتسليم الحكم للمخلصين القادرين على رعاية الناس بالإسلام من جديد في ظل دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، اللهم عجل بها واجعل مصر حاضرتها واجعل جند مصر أنصارها، اللهم آمين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
كتبه سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في مصر