بسم الله الرحمن الرحيم
وكأنه لا يكفي أن يرزح الشعب المصري تحت حكم الرأسمالية البغيضة، فيخرج وزير الصحة بهذا التصريح للناس: “استخدموا الأدوية البديلة محلية الصنع توفيرا للدولار”! وكأن الشعب يترفع عن الأدوية المحلية ترفاً منه وانقياداً للإعلانات التجارية التي تمجد البضائع المستوردة والماركات العالمية!
إن الوضع الصحي في مصر كارثي منذ عقود، وما أزمة الدولار إلا زيادة في الطين بللاً. وعموماً فإن الرعاية الصحية في مصر بكل مرافقها، والتطبيب بفروعه وأبعاده، هبطت عن مستوى الرعاية الصحية اللائقة بالبشر.
ربما تكون كلمة (هبطت) لا تكفي للتعبير عن الكارثة التي تعيشها مصر، إذ تعرف الكوارث على أنها أحداث ذات منشأ طبيعي أو تكنولوجي أو بشري، تؤثر على المجتمع من خلال عرقلة أو إيقاف الحياة البشرية الطبيعية وتسبب خسائر مادية واقتصادية واجتماعية، ومعاذ الله أن أتهم الطبيعة أو التكنولوجيا بالتسبب بما تعانيه مصر، فالمتهم الوحيد هو النظام الحاكم في مصر الذي يستمد تشريعاته وقوانينه من رأسمالية الغرب المتوحشة التي تعتبر مقياس الأعمال الوحيد هو المنفعة؛ منفعة الغرب في وضع حكام على المسلمين لا يرعون إلا مصالحه، ومنفعة الوسط الحاكم والمستفيدين منه في تحصيل أقصى قدر من المنافع على حساب الشعب المطحون.
وبالعودة إلى دعوة وزير الصحة الناس لاستخدام الأدوية البديلة والمثيلة محلية الصنع! فهل هي دعوة لاستعمال كل المخزون من الأدوية التي صنعت بالفعل محليا قبل أزمة الدولار، حتى لو كانت منتهية الصلاحية؟! أم أنه يدعو المصريين لاستعمال أدوية خالية من المواد الفعالة؟!
فحتى الورق سواء المقوى لعلب الدواء أو ورقة التعليمات بداخل العلبة يتم استيرادها من الخارج! ناهيك عن معدات التصنيع وقطع غيارها والأهم المواد الفعالة التي لا وجود لمن يصنعها محليا!
سيقول القائمون على الصحة في مصر كما قال السيسي “إحنا فقراء قوي”، ويقصدون فقر المال وخاصة الدولار! ولولا الفقر لكنا كالدول المتقدمة!
لا وألف لا، فالمتأمل في الوضع الصحي في العالم اليوم يجد أن المعاناة الصحية للبشر تزداد رغم التقدم التكنولوجي الهائل؛ والسبب يعود إلى الرأسمالية المسيطرة على العالم التي امتد أثرها إلى الرعاية الصحية وصناعة الدواء، ففضائح شركات الدواء في الغرب لا تحصى، والتزوير في نتائج التجارب السريرية ليست بالنادرة.
إذاً فالفقر الذي يدعيه النظام المصري ليس هو السبب في معاناة المصريين، وإنما هو إصرار النظام على التنكب لما يقدمه الإسلام العظيم من حلول شرعية تعالج كل مشاكل الحياة وليس الصحة فحسب.
جاء في كتاب “سياسة الرعاية الصحية في دولة الخلافة” من إصدارات حزب التحرير: “ينظر الإسلام إلى المشكلة التي يعالجها على أنها مشكلة إنسان لديه حاجات عضوية وغرائز تحتاج إلى إشباع، سواء أكانت المشكلة اقتصادية أم صحية أم سياسية أم تعليمية أم غير ذلك، فهو لا يأخذ في الاعتبار إلا كونها مشكلة إنسان تحتاج لمعالجة، فمثلاً حاجة المريض للرعاية الصحية ينظر إليها الإسلام على أنها مشكلة إنسانية في مجتمع يسير على طراز معين من العيش، فهو لا يقصر نظره على الجانب الصحي ولا على الجانب الاقتصادي، ولذلك يدعو إلى توفير الإمكانات والجهود اللازمة للعلاج والتأهيل، ويوجب الإنفاق على رعاية شؤون المرضى وشؤون المجتمع حتى لا ينتشر المرض، ويطلب تسخير الإمكانات الطبية الكافية لتجاوز المحن كالكوارث مهما كلّف الأمر، فلا يقصر نظره على الناحية الصحية أو الاقتصادية…”.
“وعليه فالرعاية الصحية، هي القيام على صحة الناس بمراقبتها وحفظها وتدبير شؤونها بما من شأنه أن يوصل إلى العافية الجسدية والسلامة النفسية. وهي تشمل الوقاية من الأمراض قبل أن تقع، ومتابعتها وعلاجها إن وقعت، سواء على صعيد الفرد أم المجتمع. وينظر إلى الرعاية الصحية على أنها عملياً رعاية فعالة ومستمرة تحقق النظرة إلى ما يجب أن يكون عليه الفرد والمجتمع في الإسلام من إشباع حاجة الفرد من التمتع بالصحة الجسدية والنفسية وتمكينه من القيام بواجباته الشرعية، وإلى ما يجب أن يكون عليه المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية من رقي في ابتكار أحدث الأساليب والوسائل وأفضل ما توصل إليه العلم والبحث العلمي في تحقيق هذه الرعاية، وتحقيق الجاهزية لحمل رسالة الإسلام للبشرية بالدعوة والجهاد. وقد جعل الشرع الرعاية الصحية من مسؤولية الدولة والخليفة مباشرة، فقال ﷺ: «الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، رواه البخاري.
فالصحة من الحاجات الأساسية للرعية كالقوت والأمن؛ حيث إن الرسول ﷺ قال: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رواه الترمذي وقال: (هذا حديث حسن غريب)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه. وقد وردت في الشرع أدلة على كون الرعاية الصحية واجبة على الدولة…
فإن الصحة والتطبيب هما من الواجبات التي على الدولة أن توفرهما للرعية، حيث إن العيادات والمستشفيات، مرافق يرتفق بها المسلمون في الاستشفاء والتداوي، فصار الطب من حيث هو من المصالح والمرافق. والمصالح والمرافق يجب على الدولة أن تقوم بها لأنها مما يجب عليها الرعاية فيها عملاً بقول الرسول ﷺ: «الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر. كما أن عدم توفير الرعاية الصحية للرعية يؤدي إلى الضرر، وإزالة الضرر واجبة على الدولة، قال ﷺ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ»، رواه الحاكم في المستدرك وقال: (حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم)، فمن هذه الناحية أيضا كانت الرعاية الصحية واجبا على الدولة.
وينفق على الرعاية الصحية من بيت المال فإن لم يكف ما في بيت المال وكانت هناك أمور ضرورية تتعلق بالرعاية الصحية مثل بناء مستشفى ليس في المنطقة مستشفى آخر يسد مسده، ففي هذه الحالة تفرض الدولة ضريبة على الأغنياء للإنفاق على ما كان ضرورياً للرعاية الصحية وذلك لأن على الخليفة أن يقوم برعاية مصالح المسلمين بالإنفاق على ما فيه المصلحة لهم والإرفاق بهم. والإرفاق هو ما يرتفق به الناس لقضاء مصالحهم، وفقدانه يوجد ضرراً، وإزالة الضرر واجبة على الخليفة وكذلك واجبة على المسلمين، قال ﷺ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللهُ عَلَيْهِ»، رواه الحاكم في المستدرك وقال: (حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم)، فنظراً لما يترتب على عدم توفير ما يلزم من المصلحة والإرفاق دون بدل للرعية من ضرر على المسلمين فإنه يجب على الخليفة وعلى المسلمين توفيرها؛ إذ إن توفيرها هو الذي يزيل الضرر؛ فكانت فرضاً عليهم. والذي جعلها فرضاً على الخليفة ظاهر في رعاية الشؤون، والذي جعلها فرضاً على المسلمين وعلى الخليفة عموم الأدلة فقوله: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» عام، وكذلك «مَنْ شَاقَّ» عام، فيشمل الخليفة ويشمل جميع المسلمين. وحيث إن الرعاية الصحية هي من المصالح والمرافق التي لا يستغني عنها الناس فهي من الضروريات. وقد أمر الرسول ﷺ بالتداوي، فقد أخرج أبو داود في سننه عن أسامة بن شريك، قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ: «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ» وبالتداوي جلب منفعة ودفع مضرة فهو مصلحة، علاوة على أن العيادات والمستشفيات مرافق يرتفق بها المسلمون في الاستشفاء والتداوي. فصار الطب من حيث هو من المصالح والمرافق. والمصالح والمرافق يجب على الدولة أن تقوم بها لأنها مما يجب عليها رعايته عملاً بقول الرسول ﷺ: «الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر…”.
وعليه فلا فقر في مصر وإنما افتقار لما به يصطلح الحال في الدنيا والآخرة، وهذا ما يعمل حزب التحرير لإيجاده واقعا ملموسا في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.
ونظراً لتركز الثروات المادية والبشرية في مصر وفي بلاد المسلمين، ووجود الكفاءات الكثيرة في شتى المجالات، فلن تقف أي عقبة أمام الإبداع في الرعاية الصحية وما يترتب عليه من صناعة دواء، وسوف تكون البيئة مهيأة للقضاء على جل الأمراض المستعصية التي عانى منها البشر في ظل النظام الرأسمالي؛ لتتحول دولة الخلافة الراشدة إلى قبلة لمريدي العلاج والبراءة من الأسقام بإذن الله.
﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾
كتبه جمال علي