سير النظام المصري على خطا سادته في البيت الأبيض محاولا إيجاد تفسير جديد لأفكار الإسلام ومفاهيمه يرضى عنه الغرب ولا يتعارض مع وجوده ولا يعمل لاقتلاع نفوذه، بل وجعل النظام من نفسه رأس حربة في صراع الغرب مع الأمة وحربه على دينها وعقيدتها، فقد عمل على احتكار الخطاب الديني ودعا إلى تجديده بما يوافق رؤية الغرب ويفرغه من عقيدته السياسية العملية، وشجع كل ما من شأنه أن يطعن في ثوابت الإسلام ويهدم أركانه وحارب كل من يدعو للإسلام بشكل صحيح منهجي أو يحمل الدعوة إليه بصورة عملية تؤدي لفهمه بشكل حقيقي يوجد لدى الناس وعيا يدفعهم للعمل على تطبيقه.
فالنظام يعمل على تفريغ الساحة من الفكر الصحيح والوعي على أفكار الإسلام ومفاهيمه ويفسح المجال لمن يشوهون الإسلام وعقيدته وأحكامه وطريقة تطبيقه بل ومن يطعنون في ثوابته ورموزه، ولهذا فتحت القنوات ومولت البرامج والمؤسسات والمراكز البحثية، وأخيرا وليس آخرا كانت “مؤسسة تكوين” التي تضم بين مؤسسيها معروفين بحقدهم على الإسلام وإن تسموا بأسماء إسلامية وادعوا أنهم مسلمون، محاولين تشكيك المسلمين في دينهم وعقيدتهم طعنا في سنة النبي ﷺ، في حرب وقحة على الإسلام وأفكاره يقودها الغرب، ورأس حربتها هو النظام وأدواته ومنفذوه الذين سبق لهم أن سخروا من الإسلام وأحكامه وآياته وهم من يشجعون كل طاعن فيه. فالنظام هو الذي أوجد البيئة الخصبة لكل أنواع الطعن في الإسلام وعقيدته والحرب على أفكاره وحمَلتها والعاملين لتطبيق أحكامه.
فهذا المناخ هو الذي أنتج إسلام بحيري وإبراهيم عيسى ويوسف زيدان وغيرهم من سقط المتاع، وتطاولهم معروف وبذاءاتهم تملأ مواقع التواصل، ولا نحتاج لبيانها ولا الاستدلال عليها فهم معروفون للأمة تماما كمعرفة النظام الذي سمح بوجودهم ودعمهم بكل أنواع الدعم وأفرد لهم المساحات الواسعة لخطاب الناس والتي لا تمنح لغيرهم ممن يدَّعى عليهم أنهم أصحاب فكر متطرف، بينما يقال عن هؤلاء إنهم تنويريون، بينما هم ملحدون ينشرون إلحادهم ويحاولون ملء عقول شباب الأمة بما يطرحون من شكوك لا أصل لها.
إن مثل هذه المؤسسات هي من إفرازات النظام الرأسمالي الذي يقدس الحريات ومنها حرية الرأي وحرية العقيدة، ومن منطلق تلك الحريات فإنه لا قداسة لدين ولا لأنبياء ولا ثوابت لديهم، وهم قطعا لا يوجهون سهامهم إلا للإسلام، ولا يجرؤون على توجيهها لغيره من الأديان، فالإسلام بلا دولة ولا راع، ولو كانت للإسلام دولة لما تجرأ هؤلاء على التلفظ بلفظ واحد مما تلفظوا به فضلا عن إنشاء مراكز ومؤسسات غايتها حرب الإسلام وأفكاره، وما جرأهم إلا غياب أسود الأمة ورجالها الذين يغضبون فيكون غضبهم ناراً تحرق أعداءها ويقطع ألسنة من يتطاولون عليها وعلى كتابها ومقدساتها أو رموزها.
إن غياب الدولة التي تطبق الإسلام وتضع أحكامه موضع التطبيق، ووجود الرأسمالية ومقياس أعمالها النفعي وتقديسها للحريات، هو ما أوجد مثل هؤلاء وسيوجد غيرهم طالما بقيت الرأسمالية حاكمة لبلادنا وطالما بقي الغرب مهيمنا عليها ناهبا لخيراتها وثرواتها، فالغرب مستفيد قطعا من وجود هؤلاء المضبوعين بثقافته بل إنه يعمل على وجودهم أصلا ويدعمهم من أجل تركيز أفكاره ومفاهيمه في بلادنا وتغلغلها بين شباب أمتنا، فأمثال هؤلاء هم جزء من أمان الغرب والأنظمة العميلة التي تحكم بلادنا بالوكالة عنه، وغايتهم صرف الناس عن الإسلام ابتداء فإن لم يتمكنوا من ذلك فلعلهم يفلحون في تدجين الإسلام وتفريغه من عقيدته السياسية العملية وحصره في العبادات الفردية التي لا تؤرق الغرب ولا تؤثر على وجوده في البلاد ولا تمنعه من نهب الثروات والخيرات، فالغرب في صراع على ثروات أمة نائمة لا يريد لها أن تستيقظ ولا أن تأخذ زمام المبادرة لاستعادة ما هو من حقها.
إن هؤلاء المضبوعين بثقافة الغرب لا يجرؤون على انتقاد أي دين آخر غير الإسلام ولا أي نظام غير نظام حكمه ولا أي قوانين غير ما انبثق عنه وعن شرعه، رغم ما يعانيه الناس من توحش الرأسمالية واستعبادها للناس، ورغم كل الدماء التي أريقت وتراق على مذبحها لبسط نفوذ الدول الكبرى التي تحملها وتدعي أنها تسعى لتحرير العالم بها وبديمقراطيتها، نعم لا يجرؤون فهم أرباب نعمتهم وداعموهم، وهم من يفسحون لهم مجال الكلام وهم من يستطيعون إغلاق أفواههم إذا خالفوا أوامر السادة أو تخطوا ما رسم لهم من خطوط، فهم جزء من أدوات الغرب التي يصارع بها الإسلام وأهله وأفكاره وعقيدته، والأمة تدرك هذا وتدرك أن هؤلاء من سقط المتاع ولا تسمع لهم ولا يلتف حولهم إلا المنتفعون والهمل. أما عموم الأمة فإنها تلفظهم كما تلفظ الأنظمة التي أوجدتهم ورعتهم، فالأمة بفطرتها تحب الإسلام وتدافع عنه بدمها ولا تنسجم مع من يعاديه ولو بشطر كلمة.
إن من يجب عليهم التحرك الآن ومواجهة هؤلاء هم العلماء والشيوخ خاصة الذين طالما تربصوا بالمخلصين العاملين لتطبيق الإسلام وطالما اتهموهم، فأين هم من هؤلاء وما يدعون؟! وكيف لا نسمع لهم صوتا، أم أن النظام أسكتهم وألجم أفواههم في موضع لا يجوز فيه الصمت ولا يجوز فيه إلا الجهر بالحق؟! فلا أسكت الله أصواتا تصدح بالحق لله خالصة مخلصة فيه، ولا أخجل الله علماء ربانيين باعوا نفوسهم لله وأعلنوا البراءة من هؤلاء السقط ومن الأنظمة التي أوجدتهم وترعاهم.
لكن مستنقع الرأسمالية سيبقى يطفح علينا بين حين وآخر بإفرازاته العفنة إلى أن تقام للإسلام دولة تستأصلها من جذورها وتعيد للأمة كيانها وسلطانها من جديد وتطبق الإسلام تطبيقا حقيقيا انقلابيا شاملا يجعل أحكامه واقعا عمليا متجسدا، يراه الناس في دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، تلك الدولة التي يتهكم عليها هؤلاء السقط والتي عندما تقام سيبتلعون ألسنتهم ولن يجرؤ أحدهم على لفظة واحدة فيها شبه إساءة للإسلام ومقدساته ولن يجدوا لهم ملجأ ولا ملاذاً.
اللهم أعد لنا دولة الإسلام وسلطانه وشرعه لنستظل بظلها من جديد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة.
كتبه الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر