أعلن مجلس إدارة شركة أنجلو جولد أشانتي أنها ستستحوذ على شركة سنتامين، الشركة العالمية الرائدة في مجال تعدين الذهب، في صفقة بقيمة 2.5 مليار دولار، وستمنح الصفقة شركة أنجلو جولد السيطرة على منجم السكري للذهب، وهو أكبر وأول منجم ذهب حديث في مصر، ويعد من أكبر المناجم المنتجة للذهب، حيث أنتج أكثر من 5.9 مليون أوقية من الذهب منذ بدء إنتاجه عام 2009، وبعد الاستحواذ، من المتوقع أن يمتلك مساهمو أنجلو جولد أشانتي 83.6%، في حين ستمتلك سنتامين حوالي 16.4%. وفي عام 2023، رفعت شركة سنتامين تقديراتها لاحتياطيات الذهب في أكبر منجم منتج في مصر بنسبة 10% من 5.3 مليون إلى 5.8 مليون أوقية، وأنتجت شركة سنتامين 450,058 أوقية من الذهب في عام 2023، ارتفاعاً من 440,974 أوقية في عام 2022، ويبلغ إنتاج مصر من الذهب نحو 15.8 طن سنويا، ويأتي معظمه من منطقة السكري في الصحراء الشرقية، بحسب تقرير مجلس الذهب العالمي. (الأهرام أونلاين، 2024/9/11)
تمت هذه الصفقة دون علم أو تدخل الحكومة المصرية التي اعتادت التفريط في ثروات مصر ومواردها وكأن هذا المنجم ليس على أرض مصر ولا مملوكا لأهلها! وعندما أُعلن الأمر أوضحت وزارة البترول، في بيان أن “صفقة الاستحواذ ليس لها أي تأثير على حقوق الدولة المصرية في منجم السكري وإيراداته، وتظل أحكام اتفاقية الالتزام الصادرة بموجب القانون رقم 222 لسنة 1994 سارية المفعول بالكامل، وهي الاتفاقية التي تحكم العلاقة بين الأطراف المساهمين، وهما الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية والشركة الفرعونية”. وأضافت: “ستظل شركة السكري لمناجم الذهب هي الشركة المشتركة والقائمة بالعمليات، كما هي دون أي تعديل”، بحسب وزارة البترول المصرية. (سكاي نيوز عربية، 2024/9/12).
هكذا تباع ثروات مصر وتشترى ويتم التفريط فيها في ظل نظام يبيع مصر وأهلها في سوق نخاسة الغرب! فمنجم السكري ليس الأول ولن يكون الأخير، ورأس الحكمة ليست ببعيدة وجزيرة الوراق لا تزال جرحا نازفا وألما مستمرا، والنظام نفسه الذي تنازل ليهود عن حقول غاز في شرق المتوسط ثم ها هو يشتري منهم إنتاج هذه الحقول بما يزيد عن واحد ونصف مليار دولار في العام، ناهيك عن الزيادات الأخيرة التي تعاقد النظام عليها، فالنظام يمعن في التفريط في حقوق مصر وأهلها تماما كما يمعن في الاقتراض ليترك الأجيال القادمة بلا ثروة مطوقة أعناقهم بربقة التبعية للغرب.
إن هذا المنجم الذي يعد من أكبر مناجم الذهب في العالم هو من الملكية العامة التي لا يجوز للدولة التفريط فيها ولا التصرف فيها بالهبة أو التأجير أو منح حق الامتياز، بل يجب على الدولة أن تنتج الذهب منه بنفسها أو بمن تستأجره مقابل أجرة محددة لا مقابل نسبة من الإنتاج. هذا بخلاف أن العقود التي أبرمت بين الدولة وبين الشركة المستحوذة على المنجم هي عقود باطلة بحسب قوانين الرأسمالية الحاكمة وهو ما لا ولن نعول عليه، فنحن ننظر إلى الأمور من زاوية الشرع وفي إطار أحكامه، ولكن قد تم الطعن فيها سابقا بعد ثورة يناير وإثبات بطلانها، فقد أكد النائب فريد إسماعيل وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي أن لدى اللجنة مستندات تؤكد أن الشركة المصرية – الأسترالية الحاصلة على حق استغلال منجم السكرى للذهب حصلت على حق الامتياز بالمخالفة للقانون. (الشروق، 2012/2/21)
الأمر الذي دفع النظام إلى استصدار القانون رقم 32 لسنة 2014 الذي يحمي ويحصن تلك العقود الفاسدة، والذي أصدره الرئيس السابق عدلي منصور، وهو القانون الذي يمنع أي طرف خارج طرفي التعاقد من الطعن على عقود البيع والاستثمار التي تبرمها الدولة مع أي جهة أو مستثمر، بما فيها قرارات تخصيص العقارات. ولا يقف القانون عند هذا الحد، بل أقر بوقف كل الطعون المنظورة أمام جميع المحاكم، حتى لو كانت مرفوعة بتاريخ سابق عن القانون، الأمر الذي يترتب عليه تحصين تعاقدات الدولة السابقة له وتحصين المزيد من التعاقدات التي من شأنها أن تهدر أصول الدولة وثرواتها الطبيعية. (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 2014/7/8)
إننا أمام جريمة جديدة يرتكبها النظام في حق مصر وأهلها بتفريطه في ثروات مصر وتقنين وحماية هذا التفريط من أي طعن أو محاسبة من أهل مصر أصحاب الحق الحقيقي فيها، والتي لن يعيدها ولن يمنع التفريط فيها إلا اقتلاع هذا النظام بكل قوانينه، وما اكتسبه الغرب من خلاله، وتطبيق الإسلام كاملا بأحكامه التي تحفظ للناس حقوقهم وتضمنها لهم وتمنع أي تفريط فيها وتوجب عليهم محاسبة الحكام إن هم فرطوا فيها أو منعوهم منها ومن استغلالها.
وهنا يبرز دور جيش الكنانة الذي يجب أن ينحاز لمصر وأهلها في صراعهم مع سلطة تستعبدهم وتفرط في ثرواتهم وتحكمهم بقوانين الغرب التي تمنعهم من المطالبة بحقوقهم، وتستخدم هذا الجيش كأداة قمع لهذا الشعب، فواجب الجيش الآن هو اقتلاع هذا النظام ورأسماليته العفنة وإنهاء التبعية والعمالة للغرب بكل أشكالها وتمكين المخلصين من أبناء الأمة العاملين لتطبيق الإسلام من إيصاله للحكم ووضعه موضع التطبيق في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهذا وحده هو سبيل النجاة لمصر وأهلها شعبا وجيشا.
يا أجناد الكنانة، يا خير أجناد: إن ما يحدث لأهل مصر يطالكم ولستم بمأمن عنه ولن تغنيكم منح النظام ومميزاته بل هي سحت يشتري بها صمتكم على جرائمه ويجعلكم عصا غليظة تضرب ظهور من ينتفض منهم جراء قراراته الكارثية وما تجلبه من تفريط في الثروات وإفقار للناس، ولن تنفعكم المميزات والرتب ولا الرواتب، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل إن ما ينفعكم هو فقط انحيازكم لأهلكم المستضعفين الذين يخسف بهم النظام ويفرط في ثرواتهم، فانصروا ضعفهم واخلعوا طوق النظام من رقابكم وأعلنوها غضبة لله تقتلعه من جذوره وتعيد لمصر عزها من جديد في ظل الإسلام ودولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في مصر