خبر وتعليق سياسي

رأي في حدث: أمريكا تريد بإيفاد الرئيس الإيرانى لمصر استكمال الضلع الثالث لإقامة تحالف أمريكى إسلامي فى المنطقة لضرب أي محاولة لإقامة خلافة إسلامية فى سوريا

لم يكن إنكار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لحادثة الاعتداء الشخصية عليه بالأحذية فى محيط الأزهر الشريف إبان زيارته لمصر ليعكس موقفاً أخلاقياً إسلامياً فى شخصيته، وهو الرجل الدموي الدولي المعروف بقتله للمسلمين في سوريا؛ بل إنه يعكس موقفاً سياسياً تجثم فيه عناءة النفس من أجل إحراز النجاح فى مهمته السياسية التى أُوفد لإنجازها، فزيارته لمصر بعد انقطاع دام 34 عاماً تأتي ضمن خطّة تعمل أمريكا على حياكتها بأيدي من يسيرون في ركبها من حكام المنطقة، وعلى رأسهم حكام إيران وتركيا ومصر المسمون “بالإسلاميين”، لتشكل بذلك مثلثاً إسلامياً موالياً لها قادراً على إحكام السيطرة على المنطقة التى باتت على وشك الانفجار المدمر للطموحات الغربية، ومصالح أعوانهم المحليين. وذلك بعد الفشل الأمريكي الذريع فى كبح جماح الثورة السورية رغم استفراغ كافة جهودها السياسية والعسكرية والدبلوماسية مع كافة القوى المتعاونة معها فى الساحة الدولية والمحلية.

وقد تعالت أصوات التحذير والترهيب من القادم القوي مع الثورة السورية عبر مختلف القوى السياسية المحلية والدولية، عقب فشل كافة الوسطاء الأمريكيين المبعوثين، ومختلف طروحاتها السياسية، حتى أيقنت أمريكا بعقم محاولاتها الرامية الى إخماد الثورة أو احتوائها، وسيطر الخوف عليها وعلى حكام الدول الغربية والعربية من قيام المارد الإسلامي من تحت الركام، ليجعل من سوريا مرتكزاً لنواة دولة الخلافة الإسلامية التي تحمل مشروعاً حضارياً عالمياً كاملاً فى مواجهة المشروع الغربي الاستعماري.

وقد رأت أمريكا أن تضرب التحرك الإسلامي المخلص نحو التغيير الشامل بفصيل من يسمون “بالإسلاميين المعتدلين”، لتحقق مصالحها الحيوية فى المنطقة، لذلك تجدها تتجاوز الأُطُر الوطنية والقومية والمذهبية التى كانت تحرص دائماً على جعلها عوائق قوية تحول دون وحدة الشعوب الإسلامية، تجدها تتجاوزها إن خدمت مصالحها بذلك، فنصّبت جسراً إسلاميًا لتجمع عبره أطراف مثلثها المختلف القوميات فى تحالف “إسلامي” جديد، تتغاضى فيه عن الاختلاف المذهبى بين السنة والشيعة ليقوم مقام المثلث الشيعى الذى انفرطت واسطة عقده، أو كادت، بعد أن أصبح انهيار النظام العلوي في سوريا قاب قوسين أو أدنى.

كل هذا من أجل الحيلولة دون قيام دولة الخلافة الإسلامية على أنقاض الدولة السورية الوطنية، خاصة وقد تجذر الإسلام فى هذه الثورة، كما تحاول أمريكا قمع الثورة عسكريًا عن طريق مد النظام العلوي السوري بالأسلحة الروسية والسماح لإيران بالتدخل ودعم النظام بفرق وقوات خاصة، وقد أصبح تواطؤ أمريكا السياسي مع النظام السوري ظاهراً لكل مراقب يقرأ التصريحات السياسية بما يتمخض عنها من نتائج.

ولقد ظهرت شعارات الخلافة في الثورة السورية بشكل مكثف لافت للنظر، وأخذت الثورة تستجمع قواها للحشد الكبير حول العاصمة لتقويض النظام. ونظراً لأن مصر البلد عربي الأكبر والإسلامي المجاور لسوريا، فهذا مظنَّة خطر تخشاه أمريكا على مصالحها، فتخشى أن تنتقل شرارة الخلافة من سوريا إلى مصر، لاسيما حين يرى الشعب المصرى المسلم تكالب الدول الاستعمارية وكيان يهود وأعوانه على المسلمين في سوريا حال قيام كيانٍ إسلامي مخلصٍ هناك، فتأخذه الغيرة على دينه ويفتح قلبه وعقله للخلافة ووحدة الأمة، فتنتشر الفكرة  في الكنانة كالنار في الهشيم، ولا قبل للكفار بدفعها حينئذ.

لذلك رأت أمريكا بعدما شحنت الحدود التركية بالقواعد الصاروخية، وحصّنت يهود بسياج أمنى إلكترونيّ جديد متطور، ومكنتهم من اعتلاء الأجواء السورية وقتما شاءوا، رأت أن تقوض الوضع في سوريا بشكل أوثق عن طريق مصر، وتمنع في نفس الوقت أن ينتقل استنشاق الناس لرحيق الخلافة من سوريا إلى أرض الكنانة، وذلك باستباق الأحداث، وتقويض الثورة السورية عن طريق الحكومات العميلة لها في المنطقة، وربط مصر فى تحالف دولي يقيِّدها بمواثيق قاسية تفرض عليها موقفاً سلبياً بل معادياً لنظام إسلامي مخلص في سوريا حال سقوط بشار، وقد هيئت لمرسي طائرات حربية أمريكية جديدة متطورة. وأرسلت الرئيس الإيرانى إلى مصر لاستكمال ضم الضلع الثالث، الضلع المصري، إلى التحالف الأمريكي “الإسلامي” المعد لضرب دولة الخلافة، مستغلةً انعقاد المؤتمر الإسلامي الدوري بالقاهرة، بالرغم من تخلّف أكثر من نصف أعضائه.

وبدلاً من صدّه عن زيارة مصر وعن اللعبّ بدماء إخواننا فى سوريا والعراق، استقبل الرئيس المصري الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بكل حفاوة، وأولاه عناية خاصّة، وحقق له ما يجوز وما لا يجوز من مآرب فى مصر، فقد صاحبه فى زيارته المغرضة للأزهر الشريف، ومسجد الإمام الحسين، ومسجد السيدة زينب رضى الله عنهما، ونفذ طلبه فى رعاية دعاة الشيعة فى مصر أمنيًا، وسمح له بلقاء كبار قياديِّي المعارضة المصرية، وتغاضى عن إقامة احتفال خاص بالثورة الإيرانية فى قلب العاصمة المصرية، كل ذلك من أجل إيجاد أرضية مشتركة لإنجاز التحالف الدولي الأمريكي الّذى جاء من أجله.

وقد أعلنت الرئاسة المصرية بعد ذلّك عن عقد اجتماع للرئيس الإيرانى مع كلّ من مرسي والرئيس التركي عبد الله غول، مدّعيةً أنه “لوقف نزيف الدم السوري”، وما هذا إلا لإخفاء الغاية التآمرية على سوريا، وعلى الإسلام والمسلمين هناك. وقد أعلن نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن أن المعارضة السورية تزداد قوّةً، وأعرب وزير الخارجية الروسي لافروف عن كون الخطر الأكبر يتمثل فى إمكانية وقوع الأسلحة غير التقليدية فى أيدى “المتمردين” (المصريّ اليوم الإلكترونيّة 7/2/2013). وقد قدّم الرئيس الإيراني طعماً مادياً تافهاً لمصر، بإعلانه عن إلغاء التأشيرة للسيّاح والتجّار المصريّين المتوجّهين الى إيران، مستغلاً ثقل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وذلك لاستكمال أسباب استمالة المصريين إلى هذا التحالف المصري الإيراني التركي المشين.

إن الأمّة التى استقبلت الرئيس الإيراني بالأحذية لهي أمّة حيّة، تعرف كيف تواجه جلاّديها مهما مكنتهم أمريكا من ممارسة أخبث أساليب التضليل السياسىّ ضدّها، أو توجيه أحدث الأسلحة تُجاه قلبها، أو منع وصول الأسلحة الى ثوارها. إنها الأمّة الخيِّرة التى اختصّها الله تعالى بالمؤهّلات الخاصّة لقيادة كافّة الأمم، والأمّة الإسلامية اليوم والحمد لله قد فهمت قضيتها، وعرفت قيادتها، وحزمت أمرها لاحتضان حزب التحرير الّذى يسعى بكل وعى وإخلاص لإقامة نواة دولة الخلافة فى البقعة التى يشاء الله أن تكون مرتكزًا لها، ليستأنف المسيرة الإسلامية الخالدة ويخلصها من قبضة التبعيّة الغربية، ويطهر حياتها من الأجندات التآمرية، ويحمل رسالتها الخيّرة الى العالم بالدعوة والجهاد، لتتحقق الرحمة التي أرادها الله للعالمين بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].