ورد فى بوابة الوطن الإليكترونية أن مصر تهدم الأنفاق مع غزه لوقف تدفق الأسلحة، وأن عصام الحداد مساعد الرئيس للشئون الخارجية قد صرّح بأن مرسى سيحترم معاهدة السلام مع إسرائيل، وأن التعاون اليومى مع إسرائيل مستمر كالمعتاد…!!
إن من يعرف تاريخ المنطقة، ويقرأ هذا الخبر، ينتابه الفزع من تبدل الرؤى وتغير الأدوار لدى حكام المنطقة، والقضية هى هى لم تتبدل ولم تتغير!!
ففى الماضى القريب كانت غزة جزءً حيوياً من مصر، وهى منطلق المجاهدين لقتال يهود مغتصبي الأرض ومنتهكي العرض، واليوم أبناء أولئك المجاهدين يهدمون أنفاق غزة لوقف تدفق الأسلحة وأسباب الحياة إلى أبناء غزة!!
وبالأمس القريب كان مرسى يتوعد أبناء القردة والخنازير! وما أن بلغ سدة الحكم حتى أخذ يتعهد بحماية أبناء القردة والخنازير، ويصف نفسه بأنه صديقهم الوفي! ويتمنى لهم رغد العيش – أسياداً فى ما اغتصبوه من أرض الاسلام !!
فهو التزم أمام أمريكا وإسرائيل بوعوده ، وتنصل للمسلمين ولجماعته من عهوده !!
والحقيقة أن الأفعل تشهد دوما على الأقوال والنوايا، وتكشف صدقها من كذبها، وبذلك تمتنع محاولات التحريف وتنعدم جدوى التنصل أمام كل أفاك أثيم. فهدم الأنفاق أو إغراقها بالماء وقطع شريان الحياة عن أهلنا في غزة، والقتل المتعمد لأبنائنا، والتمكين لقوى العدو فنتيح له الاستمرار باحتلال أرضنا… هذا كله فى نهاية المطاف هو دعوة صريحة للاستسلام والخذلان ولا شك في ذلك، كما أن احترام معاهدة السلام مع يهود والتعاون المستمر معهم سواء بقتال المجاهدين لهم فى سيناء، أو بالتنسيق الأمنى مع وفودهم الغادية الرائحة .. هو فى نهاية المطاف إقرار لاغتصابهم لجزء عزيز من بلاد المسلمين، وتنازل عن حق المسلمين فيه، وتقوية لهم على الأهل فى كافة أرجاء المنطقة ولا كلام.
والمتتبع لتاريخ المنطقة إبان الحقبة الاستعمارية الغاشمة يدرك أن أمريكا هى المسؤولة عن تبدل الرؤى وتغيّر الأدوار، فقد أدركت أمريكا أن الإسلام هو المحرك الأقوى فى المنطقة، فأتت بمن يسمون “بالإسلاميين المعتدلين” إلى الحكم، مدعية تحقيق مطلب الثورة بتغيير النظام، وقلبت بهم المعادلة؛ حين نقلتهم من دور المعارضة الى دور الحكام، ونقلت العلمانيين من دور الحكام الى دور المعارضة، وبذلك ملكت زمام الجانبين، وأفرزت لنا بهم هذه الرؤى الكاذبة الهابطة، وتلك الأدوار الخانعة الساقطة. كما ويدرك المتتبع لتاريخ ذات المنطقة أن قوة أهل المنطقة بتلاحم الإسلام والسلطان فيها؛ فإذا اجتمعا قويت، واذا افترقا ضعفت، وأن اجتماعهما المرتقب بعودة الخلافة الإسلامية هو الذى يعطى الأمة القدرة على انتزاع زمام المنطقة من أمريكا وإسرائيل، وليست تلك الدول الوطنية الديمقراطية المتشرذمة التى تزرعها أمريكا هنا وهناك؛ لأن دولة الخلافة مصدرها الأمة الإسلامية وليست إرادة الكافر المستعمر، وأساسها العقيدة الإسلامية وليست الوطنية والرؤى الغربية، وأحكامها الشريعة الإسلامية وليست الدستور والقوانين الوضعية. وبذلك تلتحم القوتان : الأمة والدولة، وتتوحد الاتجاهات؛ رؤى ومواقف، وبدولة الإسلام فقط يُعاد كل أمر الى نصابه، ويُعاد ترتيب المنطقة من جديد، وتنسى أمريكا وإسرائيل وساوس الشيطان.
والأمة اليوم وهى فى طور التحفز للتحرر من التبعية الغربية الاستعمارية، ما عادت تنطلي عليها حيل الغرب المتكررة، أوتقبل بحلوله التضليلية؛ لأن مركز تنبهها اليوم أصبح أقوى من كل حيلهم وحلولهم، فلا يزال إسلامهم الخالد يشتد فى أسماعهم هاتفا بوجوب قتال يهود، وفرضية قطع يدهم عن فلسطين بقوله تعالى: “وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ”، ولا يزال إسلامهم الخالد يشحذ عزائمهم مقررا حتمية انتصار المسلمين على جميع القوى المعادية فى كل زمان ومكان بقوله تعالى: “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ”.
وبعد، فأين كافة الرموز والقوى السياسية الوطنية والإسلامية التى تقر بالاتفاقية الأمنية مع يهود من هذه الأدلة القرآنية الدامغة؟ فالخطورة والضرر الذى يتخوفونه من نقض الاتفاقية هو عينه الضرر الناجم عن قبولها. بل إن التطبيع مع الأيام يستفحل، والحدود الإسرائيلية تزداد تحصينا، وتحكم دولة اسرائيل بالمسلمين داخل فلسطين وخارجها يشتد يوما بعد يوم.
ألا تعلم تلك القوى الإسلامية أن الإعلان بقبول الاتفاقية الخيانية مع إسرائيل لن يجعلهم أكثر من أبواق رخيصة للغرب؟ تركز أمريكا بواستطهم مطلبها، حيث كانت ومازالت مصر هي أداتها الأساس في ذلك، وهذا منذ أيام جمال عبد الناصر ثم السادات، ومرورا بكل من مبارك والمجلس العسكرى وانتهاءً بمرسي.
ويظل الأمل معقودا على الأمة الاسلامية أن تستكمل صحوتها وتقطف ثمار كفاحها بإقامة دولة الخلافة الإسلامية، التى تأخذ على عاتقها المبادرة بإعلان البراءة من الاتفاقية الاسرائيلية جملة وتفصيلا دونما تردد أو تخوف، فالخوف لا يستقيم مع قول الله تعالى “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا”، ثم تعمل هذه الدولة على تحرير بلاد المسلمين المحتلة بالجهاد في سبيل الله، وعلى توحيد البلاد الإسلامية كلها تحت راية الخليفة، وتطهيرها من كل نفوذ الغرب الكافر المستعمر، ثم تحمل الإسلام رسالة هدىً ونور إلى البشرية جمعاء.