مقالات فكري

البراغماتية الملتحية!

أن يصطف حزب النور – أو بالأحرى قياداته – في معسكر الانقلابيين فهذ أمر قد يبررونه لأنفسهم بأننا مع الفريق الأقوى، وقد يقدمون للناس ولمناصريهم مبررا آخر ليحافظوا على قاعدتهم الشعبية، فيقولوا لهم ما دفعنا لذلك سوى حرصنا على عدة أشياء:

1- أن نحافظ على دستور 2012.

2- أن نحافظ على الإخوة من الاعتقال والملاحقة.

3- أن نمنع حل مجلس الشورى.

4- أن نمنع مجيء البرادعي رئيسا لمصر.

هذه هي الأسباب المعلنة من قبل حزب النور لمشاركة الانقلابين انقلابهم، ولاشك أنهم ما اتخذوا هذا القرار إلا بعد جهد جهيد، وموازنة بين المصالح والمفاسد وأخف الضررين كما يقولون، ولا أخالهم نفذوا واحدة من الأربعة، فلا الدستور المهتريء – الذي شاركوا في وضعه – استطاعوا أن يحافظوا عليه، ومشاركتهم في لجنة الخمسين ستكون كمشاركتهم من قبل في لجنة المائة أيام الدكتور مرسي، بل ستكون أشد وأنكي، لقد قالوا وقتها أنهم سيشاركون في اللجنة التأسيسة من أجل 3 أشياء:

1- استبدال كلمة أحكام بكلمة مبادئ

2- وضع مادة للزكاة

3- جعل السيادة للشرع بدلا من السيادة للشعب

وخرج الدستور بعد موافقتهم عليه ليس فيه شيء مما ذكروا، وهم اليوم يبررون مشاركتهم باللجنة التأسيسية الجديدة للعمل على إعادة المادة 219 التفسيرية لكلمة مباديء، وسيشاركون كما فعلوا من قبل ولن يستطيعوا إعادة هذه المادة، وحتى إن عادت فلن تسمن ولا تغني من جوع…

وهم لم يستطيعوا منع الاعتقال والملاحقة بل والقتل للإخوة، إلا أن يكونوا يقصدون جماعتهم فقط ومن وقف موقفهم الداعم للانقلاب، واليوم يطالب الشيخ ياسر برهامي التيار الإسلامي بـ”النظر إلى موازين القوى والمصالح والمفاسد والضرر المتعدي على عموم الناس، وخصوصاً الإسلاميين في أي قرار أو موقف أو بيان أو تصريح أو نبرة في الكلام أو حتى في السكوت”. لأن ربما النبرة العالية أو حتى السكوت العاجز يوقعهم في مفاسد وأضرار تتعدى عموم الناس.

وأما الثالثة: فهل عدم حل مجلس الشورى المشلول أصلاً هو مبرر مقبول لاتخاذ مثل هذا الموقف المحزن من قبل حزب النور، وقلب المؤمن يتقطع وهو يشاهده؟! أم كانت لهم في ذلك مآرب أخرى؟ نسأل الله لنا ولهم الهداية وأن يضيء لنا ولهم صراطه المستقيم!

والآن يخرج علينا الشيخ برهامي ليفجر في وجوه أبناء التيار الإسلامي مفاجأة جديدة، ففي عدد جريدة الحياة بتاريخ 27-8 طالب برهامي الشعب المصري بالاصطفاف خلف قيادته الحالية للتصدي لما وصفه بـ”حرب الغرب ضد مصر والإسلام”، داعياً التيار الإسلامي إلى الاعتراف بأن الهجوم الغربي على الفريق أول السيسي “ليس موجهاً لشخصه بل ضد مصر والإسلام”. تصوروا، هناك هجوم غربي على الفريق أول! وتصوروا هذا الهجوم ليس موجها لشخص الفريق أول! وتصوروا هذا الهجوم ضد مصر والإسلام! مالكم لا ترجون لله وقارا؟!

والأشد غرابة أن يقول الشيخ إن الفريق السيسي قد “أنقذ البلد من حرب أهلية”، كما أجاز فضيلته منع الصلاة في أي مسجد تقع فيه فتنة، ذلك لأن علماء السعودية أصدروا بالإجماع فتوى بغلق المسجد الحرام في الثمانينيات من القرن الماضي خلال الأحداث المعروفة بـ “فتنة جيهمان”.

وفي نفس الإطار، لما سُئل نادر بكار نائب رئيس الحزب، المؤيد طبعا للانقلاب، عن رأيه في الفريق السيسي في حوار تليفزيوني ارتبك ارتباكا شديدا، لأنه يعلم أن ما سيقوله في هذه اللحظة سيكون مجرد نفاق سيُلام عليه في يوم من الأيام، وبرغم أنه لف ودار مرات ومرات، إلا أنه لم يستطع إلا أن يدعو للسيسي “بالتوفيق والسداد،”… فحمل وزراً ثقيلاً! إنها ورطة كبيرة وضع حزب النور نفسه فيها، فهو الآن سيضطر أن يكون “أكثر ليبرالية” مما كان عليه في الفترة السابقة، وخصوصا وأنه يريد أن يسوِّق نفسه ليرضى عنه العلمانيون، ويكون أكثر إقناعا للإمريكيين بأنه ربما يشكل بديلا مناسبا عن الإخوان، إنها براغماتية جديدة، براغماتية ملتحية.

 هذه الراغماتية الملتحية التي يأسس لها حزب النور هذه الأيام، في محاولة منه لإعادة كرّة حزب الحرية والعدالة، ستفقده السند الجماهيري الذي استطاع الحزب من خلاله أن يحقق مكانا متقدما في الحياة السياسية إبّان الحقبة الماضية. وسيكون الحزب مجرد أداة يستخدمها النظام الجديد لتجميل صورته العلمانية القبيحة.

قد يُسمح لحزب النور بالمشاركة بعضوين أو ثلاث في لجنة الخمسين، وقد يشارك في انتخابات مجلس الشعب التي يعد لها قادة الانقلاب، وقد يحصل على بعض المقاعد، قد يحصل على منصب أو منصبين وزاريين في حكومة قادمة تذكرنا بحكومات لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، وقد يدعم مرشحا رئاسيا معينا، وقد يصل هذا المرشح لكرسي الرئاسة، ولكن ماذا بعد؟ ما هو الدور الذي يريد أن يلعبه حزب النور في النظام القادم؟ وهل سيصنف كحزب ديني في منظومة خربة تعادي الدين كنظام حياة وترضى به معزولا في المسجد مفصولا عن الحكم والسياسة؟ أم سيخلع البقية الباقية له من قشور الشريعة التي يدعي رفع لواءها؟ أم أنه سيحل نفسه بنفسه عندما ينتهي دوره المرسوم له، خصوصا إذا قام النظام الجديد بالإقدام على خطوة حل الأحزاب الدينية؟ إنها أسئلة تحتاج إلى أجوبة… وفي النهاية لن يجيب عنها سوى حزب النور نفسه…