مقالات أنشطة

كلمة الكنانة في مؤتمر السودان: الكنانةُ والعودةُ إلى نقطةِ الصفر… والواجبُ أن يتصاعدَ العملُ لإقامةِ الخلافة

الحمدُ لله حمدَ الشاكرين والعاقبةُ للمتقين ولا عدوانَ إلا على الظالمين. الحمدُ لله القائلِ في كتابهِ العزيز: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا * وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا * إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا قال الطبري عند تفسيرهِ لهذه الآيات: (إن الله تعالى ذكرهُ، أخبرَ عن نبيّه صلى الله عليه وسلم، أن المشركين َكادوا أن يفتنوه عما أوحاه اللهُ إليه ليعملَ بغيره، وذلك هو الافتراءُ على الله…).

لقد قامت ثورةُ الخامسِ والعشرينَ من يناير لتغييرِ الواقعِ المظلم، والحكمِ المتجبِّر الذي جثمَ على صدرِ الناسِ في مصرَ لعقودٍ طويلةٍ، ومع أن الثوارَ رفعوا شعار “الشعبُ يريدُ إسقاط النظام” من اللحظةِ الأولى لانطلاقةِ الثورة، إلا أن الذي حدثَ هو دحرجةُ رأسِ النظامِ من على كرسيه، بينما ظل نظامُ الحكمِ قائمًا على الأساس الفاسد المعوج الذي أسس له الاستعمار في بلادنا بعد أن قضى على الدولة الإسلامية دولة الخلافة سنة 1924م، على يد مجرمِ هذا العصر، مصطفى كمال.

وقبل الحديثِ عما حصل في مصرَ بعد ثورة 25 يناير، نبدأ بالنتيجةِ التي نحسبُ أن الناس باتوا يعرفونها ويقطعون بها، بعد إزاحةِ العسكرِ للدكتور مرسي، وهي أن ما يسمى بالمشاركةِ السياسيةِ للحركات الإسلامية في النظم السياسيةِ الفاسدةِ العميلة، لا يوصلهم إلى شيءٍ، وأن هذه الأنظمةَ، والغربُ من ورائها، يكيدون للإسلام، ويستدرجون هذه الحركات للمشاركة السياسية، من أجل استخدامِها في ضرب الإسلامِ وتشويهِه.

لكن السؤالَ الذي يفرضُ نفسَه الآن: هل تعلّم من شارك في اللعبة السياسية وأصر على المشاركة، من هذا الدرس القاسي؟ وهل نفض يده من كلِ الأعمالِ السياسيةِ التي تعتبرُ الأنظمةَ الموجودةَ في العالمِ الإسلاميِ أنظمةً شرعية؟ وهل سيظل يهادن الحكام الذين يحاربون الإسلام ويتآمرون عليه؟ وهل يطلقهم طلاقاً لا رجعةَ فيه؟ أم تراهُ لا يفعل؟ إن من وقف على حقيقة هذه الأنظمة الفاسدة وعلم مقدار عدائها للإسلام لن يشاركها أو يحاورها أو يساومها، أو يرقّعها، بل سيعمل على تغييرها تغييراً جذرياً باجتثاثها.

وتعالوا معي الآن في عجالة لنرى كيف سارت الأمور في مصر بعد الخامس والعشرين من يناير:

     1. خرج الناسُ على نظامِ مبارك. وكان الواجب شرعاً وعقلاً، على القوى السياسيةِ الإسلاميةِ في مصرَ أن تستغلَ هذه الهبَّةَ، وأن تعملَ على تحكيم شرع الله وتنادي بذلك، من خلالِ دولةٍ إسلاميةٍ حقيقية، تقومُ لتكنسَ كلَ النظامِ السابق، فهو سببُ المآسي كُلِها، وهو من يقف حائلا بين المسلمين وتطبيق الإسلام في دولة الخلافة. ولكن هذه القوى الإسلامية وللأسف الشديد لم تستغل الرأيَ العامَ المتجذرَ للإسلام، ولم تبن عليه عملاً ومطالبةً بتحكيمِ الإسلام، وبناءِ دولةِ خلافةٍ تجمعُ المسلمين، ولو أنهم فعلوا لوقف الناسُ بجانبهِم وأيدوهم، فهم محبّون للإسلام، وعندهم استعدادٌ للتضحيةِ في سبيلِه.

      2. لقد رأت أمريكا أن تتخلى عن مبارك، لكي تلتفَّ على الشارع الثائر، الذي يحب الإسلام وينادي به، مع إبقائها على النظامِ وأسسِه وفلولِه وإعلامِه. فأميركا أبقت على النظام الفاسد، والوسط السياسي الفاسد لمكرٍ مكرته، ثم عملت على تضليل الشعبِ المسلمِ في مصر، مرةً أخرى، حين صورت له أن قياداتِ الجيشِ المصري قد احتضنت الثورة والثوار، بينما كانت أميركا تدّخرُ الجيشَ، ممثلاً بقيادتِه، لمهماتٍ لاحقة.

  3. أشرفت قياداتُ الجيشِ المصري، على ترتيبِ البيتِ الداخليِ بعد مباركٍ، فقبلت قياداتُه أن يدخلَ الإخوانُ، وبشكلٍ مباشر، في منظومةِ النظامِ الديمقراطيِ، بعد أن رأت الناسَ يريدون الإسلامَ ويطالبون به. وكان هدفُ قيادات الجيشِ، ومن ورائها أميركا، من إشراكِ الإخوانِ في التغيير المزعومِ الجديد في مصر منعَ التغييرِ الحقيقيِ، وإسكاتَ الجماهير، وكانت أمريكا تدرك أن مآل حكم الإسلاميين الذين استبعدوا شريعة الله إلى فشلٍ عاجلاً أم آجلاً، مما سيجعل الناس ينفضّون عن الإسلام وحملة دعوته، إذ سيظهر لهم عجز الإسلاميين في إدارة الدولةِ وتسيير دفة الحكم. وللأسف، دخل الإخوانُ في جحر الضب هذا، وقبلوا أن يتقاسموا تركةَ النظامِ السابق، مع رموزِ الحرسِ القديمِ لنظامِ مبارك، والأحزابِ العلمانية، والجيشِ المرتبط، وهذا خطأٌ في النهجِ والطريقةِ والعمل، ما جعلهم يدفعون الثمنَ لاحقاً.

 4. في إطار هذا الزواجِ غيرِ الشرعي بين القوى السياسيةِ العلمانية، والقوى ذاتِ التوجهِ الإسلامي، بقيادةِ الإخوان، في مؤسسات الحكمِ والتشريعِ والقضاء…، حرص الإخوانُ على إظهار مرونة عالية في قبولِ ما ليس بإسلامي، انطلاقا من فكرة التدرج التي لم يُنَزِل الله بها من سلطان، وحتى يرضوا شركاءَهم في الحكم، ويظهروا تسامحَ الإسلام واعتدالَه! ولكي لا يحملَ الغربُ فكرةً سيئةً عن الإسلاميين المعتدلين، ولا ينقلبَ عليهم! وهكذا لم يتغير أيُ شيء، حيث بقي دستور مصر الوضعي العلماني وصدر في نسخةٍ منقحةٍ ومعدلةٍ من دستورِ 71 بمباركةِ الإسلاميين أنفسِهم، وبقي قضاءُ مصرَ في يدِ قضاةٍ علمانيين، يدينُ معظمُهم بالولاءِ للنظامِ القديم وفلولِه، وظل التعليمُ في مصرَ سائرا على النهجِ نفسه الذي أسس له الاستعمارُ الإنجليزيُ، وظل إعلامُ مصرَ خاضعاً لرجال أعمالٍ فاسدين يحلَمون بالعودةِ للنظامِ القديم، واتفاقياتُ مصرَ السياسيةُ والاقتصاديةُ، حتى مع أعداء المسلمين “يهود” ظلت محترمةً ومصونةً بل ومفعّلةً بشكلٍ أكبر. وأصبح المشهدُ السياسيُ في مصرَ، مشهداً مؤلماً، يراوح بين: مسجدٍ وخمارةٍ… ملهىً ليليٍ ودارِ تحفيظِ قرآنٍ… وفنادقَ مختلطةٍ تباعُ فيها الخمورُ وتشترى، وفنادقَ أخرى تمنعُ الاختلاطَ والخمور، إعلامٍ يبثُ الرذيلةَ ليلَ نهار، وإعلامٍ يتحدث عن الوضوءِ والأخلاق… رئيسٍ ملتحٍ، وأفرادِ شرطةٍ ممنوعين من إعفاء لحاهم باسمِ القانونِ العلماني، وبرامجَ إعلاميةٍ تستهزئ بالإسلامِ وبالرئيسِ المسلم وبالمشايخ… إنه مشهدٌ لدولةِ الأعاجيب! أكان هذا هو التغيير المنشود في مصر الكنانة؟ هل كان يقبلُ مباركٌ أن يستهزئَ أحدٌ به وبنظامِه العلماني؟! هل كان مباركٌ يحرصُ على أن يستضيفَ المشايخَ وعلماءَ المسلمين، ويقول لهم «هاكم الميدان فانطلقوا»، كما قال مرسي لأهلِ الغناءِ والممثلين في بدايةِ حكمِه، والذين يعبرون عن شماتتِهم به اليومَ، وعن فرحتِهم الغامرةِ لعزله؟! باختصار: لم تتغير الحالُ في مصر، رُغمَ كلِ الشعاراتِ الإسلاميةِ البراقة: فالنظامُ الجمهوري ظل على حالِه، والدستورُ ظل علمانياً بامتياز، والاقتصادُ الربوي المرتهن لقروضِ الغرب وهيمنتِه ظل على حاله، وهيمنة أمريكا العسكرية، وتمويلُها الماليُ للنظام التابعِ ظل على حاله، والعلاقاتُ الدوليةُ ظلت على حالها، والاتفاقياتُ الاقتصادية والسياسيةُ مع يهودٍ ظلت على حالها، والغازُ الطبيعيُ ليهودٍ ظل يتدفق… ماذا تغير؟ لم يتغيرْ شيء … وصل الإسلاميون إلى الحكم، ولم يصل الإسلام.

5. بوصول محمد مرسي للحكم في مصر، أصبح لدينا فريقان يتشاركان في هذا الحكم المشوه: الفريقُ الأولُ فريقٌ علمانيٌ يحاربُ الإسلام ويتآمرُ عليه، مكونٌ من القياداتِ السياسيةِ الفاسدة، التي بقيت بعد زوالِ مبارك، وأحزابِها العلمانية، وقياداتِ الجيش المرتبطةِ بأمريكا. وهؤلاء لا يطيقون رؤية الإسلامِ في الحكم ويكرهون (رئيسَهم) محمد مرسي وجماعتَه، وقد بيتوا للإخوانِ المسلمين كلَ شر، منذ أولِ يومٍ، وجهدوا لكي يجعلوا الإسلامَ السياسيَ يبدو، من خلالِ مرسي وجماعته، غيرَ قادرٍ على إدارةِ الدولة، وعاجزًا في السياسة، ورجعيًا في الأفكارِ والنظرة، وفاشيًا وإقصائيًا في التعاملِ مع خصومِه، فتآمروا عليهم في كلِ شيء، وفي كلِ مفصلٍ من مفاصلِ العمل السياسي، وتربصوا بهم في كلِ شأنٍ سياسي: في الحكمِ، والقضاءِ، والتشريعِ.. وسخروا منهم ومن رئيسِهم، وشككوا بأهليتِهم في كلِ محفلٍ وخصوصاً في الإعلام، وأشاعوا في البلدِ حالةً من النفورِ من الإسلام، ومن الحركاتِ الإسلامية! وهكذا قاد هذا الفريقُ عملاً ممنهجاً، تحت عينِ السفاراتِ الغربيةِ وبمباركتها، ضدَ كل ما هو إسلام، طعناً وتشويهاً وسباً وتعريضاً. هذا كله يحصلُ والرئيسُ يحافظ على حبالِ الود، ويتفانى في خدمةِ “المشروعِ الوطنيِ العظيم”، وهو المشاركةُ السياسية مع عملاء الغربِ والعلمانيين وبعض رجالِ الحرس القديم! ثم يفتخرُ أنه لم يقصفْ قلمًا ولم يُغلق قناةً.

أما الفريقُ الثاني فهو فريقُ محمد مرسي وجماعته، الذي قام بأولِ الخطايا عندما قبل بمشاركةِ العلمانيين، وبعضِ فلولِ النظامِ السابق، في الحكم، فدخل اللعبةَ السياسيةَ مكبلاً عاجزاً عن أي تغييرٍ، فهو أقسم منذ أولِ يومٍ على القبولِ بكل مفرداتِ الدولةِ العلمانية، التي يقاتل في سبيلِ بقائِها فلولُ النظامِ السابق، وأعوانُهم. وعلى هذا الأساسِ، وخلالَ السنةِ التي حكم فيها، قاد محمد مرسي سياسةً لم تقدم نهجاً بديلاً للشعبِ المصري، ولم تأخذْ بيده إلى أي ارتفاعٍ، فلم يطبق شيئًا من إسلام، ولا اختلف عن سلفه في أية سياسةٍ تذكر، وكان محمد مرسي يعمل في حقل ألغامٍ، وفخاخٍ، ينصبها له شركاؤه في الحكم، وهو يعلم ولا يحركُ ساكنا، وإذا تحرك أظهر ترددا وتلعثما يفضح عدم قدرتِه على الحكمِ والإدارة. لقد كانت المشكلةُ تكمن في نهجِ محمد مرسي وجماعته: فهم لا يعرفون سبيلاً آخر للعملِ غيرَ المشاركةِ السياسيةِ مع أعدائهم، أعداءِ الإسلام!

6. وبعد سنة من حكمِ محمد مرسي (الديمقراطي)، وبعد سنة من التشويهِ والتوريطِ والإفشال، أخذَ الجيشُ، صاحبُ القرارِ الفعليِ، القرارَ بالانقلابِ على الشرعيةِ الديمقراطيةِ المزعومة، وأزاح مرسي، واتهمه وجماعتَه بالحكم الفاشي، واختطافِ البلد، وأنهم يريدون حكماً دينياً! وأنهم روعوا الجماهيرَ في مصر، وأساءوا لمؤسساتِ البلدِ الوطنية والدينية! وأنهم فشلوا في أن يكونوا ديمقراطيين؟! وها هي قياداتُ الإخوان، التي كانت قبلَ مدة في الحكم، تؤخذ إلى السجن، وتُحاكمُ من قبلِ شركائِها السياسيين، لأنها كما يدعي خصومها تحرضُ على العنفِ والقتل والإرهاب! فيما الديمقراطية الغربية، التي طالما تطلع إليها الدكتور مرسي، تطعنُه وتنقلب عليه وعلى جماعتِه المعتدلة، ولا تقف لتدافعَ عن شرعيتِه الديمقراطية! وهكذا أطاح الجيشُ بمحمد مرسي برضاً وتنسيقٍ أمريكي لعدمِ قدرتِه على إحداث استقرارٍ تريده أمريكا، فدعا الإخوانُ أنصارَهم للخروجِ إلى الشارعِ للاحتجاج، والمناداةِ بعودةِ مرسي إلى موقعِه السابق رئيساً للبلاد، وها هو الجيشُ يقتل منهم، ويلاحقُهم، ويلاحق قياداتِهم، عقاباً لهم على تحديه.

لقد تخلت أمريكا مرغمةً عن عميلها مبارك في مصرَ تحت وطأة الثورةِ الشعبية، فما كانت ترضى لنفسها ولا لعملائها أن يُطردوا على هذا النحو المذلّ وبهذه السرعةِ المفاجئة، ولكن للأسف فإن زمامَ الأمورِ لم تنفلت من يديها طوال المدةِ الماضية. فقد كان المجلس الأعلى للقوات المسلحةِ أداةً أمريكيةً صلبة، تقاتلُ بما أوتيت من قوةٍ من أجلِ الحفاظِ على الهيمنةِ الأمريكية، وعلى الحلف اللعين مع كيان يهود. ولم يختفِ المجلسُ من المشهد السياسيِ في مصر، حتى في ظلِ حكمِ مرسي الذي أقالَ شخصياتٍ بارزةٍ فيه، على رأسهم المشير طنطاوي والفريق عنان، وقد تبيّن بعد ذلك للكثيرِ من المتابعين أن الإقالةَ تمت بإرادةٍ أمريكية. لقد عاد العسكرُ بقوةٍ إلى المشهدِ السياسيِ مرةً ثانية ومن دونِ ستار، فستارُ الحكومةِ المؤقتةِ والرئيسِ المؤقتِ مزيفٌ مفضوح، لا يمكنُ أن يخفي حقيقةَ إمساكِ السيسي بإدارةِ شئونِ البلاد.

ولعل السؤال الأبرز في هذه اللحظةِ الفارقةِ هو الآتي: هل تسيرُ الأمورُ نحو تأسيسِ ديكتاتورياتٍ جديدةٍ تحت المظلةِ الأمريكية؟ وهل نحن بصددِ صناعةِ زعيمٍ صاحبِ سلطةٍ مطلقة؟ وهل يمكن أن تعودَ الأمةُ لتساقَ مرةً أخرى بالحديدِ والنار؟ هذه التساؤلاتُ الماثلة، بل الصارخةُ في واقع العالمِ الإسلاميِ اليوم، يجب أن تنبه الغافلين الذين غرقوا في نشوةِ النصرِ على فرعونِ مصر، أن استفيقوا فقد غرقتم كثيراً في سكرةِ النصرِ في الجولةِ الأولى، فإذا بكم تسقطونَ صرعى في الجولةِ الثانية!

وإذا كانت الجولةُ الأولى قد احتاجت جرعةً كبيرةً من الجرأةِ والشجاعة، لإنتاج ذلك المشهدَ البطولي الذي رأيناه في 25 يناير، فإنَّ ما بعد الجولةِ الثانية، يحتاج إلى مراجعةِ النفس، وإنعامِ الفكر وعمقِ النظر وسعةِ الوعي والعمل الدءوب، فقد تبين للكثيرين أن التغييرَ الحقيقي لا يحصلُ بدحرجةِ الرؤوسِ الكبيرةِ فحسب، بل يبدأ بالفكرِ ويستمر بالفكرِ والعملِ، ويتحقق بوصولِ برنامج سياسيٍ حقيقيٍ إلى سُدةِ الحكم، لا بمجرد رفعِ شعاراتٍ واستنساخِ أنظمةٍ غربيةٍ، لا تعبر عن عقيدةِ الأمةِ وحضارتها، مع الإبقاءِ على ما هو قائمٌ وإضافة بعض المساحيق له.

إن هذا البرنامجَ السياسي الحقيقي يجب أن يعملَ على إعادةِ صياغةِ المجتمعِ والدولةِ صياغة جديدة، تُنتِجُ لنا حياةً جديدةً بطريقةِ عيشٍ جديدة، ثقافةً وحكماً واقتصاداً واجتماعا وتعليما وقضاء وإعلاما وسياسة خارجية، ويجب أن يقطع كلَ صلةٍ بالحضارة الغربية التي اكتوى العالم بلهيبها واحترقَ بنارها وحروبها، واختنق بدخانها الأسود، وتعفّن بنتنها وسُحق باقتصادها الغاشمِ وتاه بضلالها، إنه خيارٌ واحدٌ لا غير، الإسلامُ من حيثُ هو مبدأٌ، عقيدةً وشريعة، فكرةً وطريقة، مزجاً للروح بالمادة، وحضارةً تؤسسُ لمدنية متألقةٍ زاهرةٍ على أساسٍ روحيٍ عميق راسخ.

وليس أمامَ المخلصينَ من أبناء الأمةِ في مصر من خيارٍ سوى التصدي بقوة للنظامِ العلمانيِ وتقويض أركانه وإسقاطه من خلال عمل دءوبٍ يركزُ على محوري الأمةِ والجيش على حد سواء، فالأمة تحتاج إلى مجهودٍ جبار لإحداثِ الوعيِ الكافي عندها على مشروع الخلافةِ المنقذ لها، وهذا لا يقدر عليه سوى الحزبِ المبدئي الذي يحدد غايته بشكلٍ واضحٍ ويعرفُ طريقه للوصولِ إلى تلك الغاية، والجيش هو مصدرُ القوةِ والمنَعَة التي يجب العمل على كسبها، لتنحاز وبقوةٍ إلى مشروع الخلافةِ العظيم وتتبناه وتعمل لقلعِ نفوذِ أمريكا من مصر نهائياً وتقضي عليه بالضربةِ القاضية. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.