الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَنْ والاه، قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾.
يستغربُ البعضُ عندما نتوجّهُ للجيشِ في مصرَ أنْ هُبُّوا لِنَجْدَةِ إخوانِكُمْ في غزة، أو كونوا مَعَ العاملينَ لاستئنافِ الحياةِ الإسلاميةِ بإقامةِ الخلافةِ الإسلامية، أو كونوا أنصارَ اللهِ كما كان الأوسُ والخزرجُ أنصاراً لدعوةِ الإسلامِ مَكَّنُوا لها في دولةِ المدينةِ ودافَعُوا عنها حتى صارتِ الدولةَ الأولى في العالم، وَوَجْهُ استغرابِ هذا البعضِ ناجمٌ عن يأسِهِمْ من تلكَ الجيوشِ الرابضةِ في ثَكَناتِها وإذا خَرَجَتْ منها فإما أنْ يكونَ خروجُها للاستعراضِ العسكريِّ أو لذبحِ المسلمين، والغريبُ أنَّ نفسَ هذا البعضِ لا يستغربُ التوجُّهَ بالنداءِ للمنظماتِ الدَّوْلِيّةِ أنْ تتدخلَ لوقفِ تلكَ المجازرِ بحقِّ المسلمين، مُتناسياً أنَّ تلكَ المنظماتِ هي مَنْ وَقَفَتْ بجانبِ يهودَ ودَعَمَتْهُمْ وكرَّسَتِ احتلالَهُمْ لأرضِ فلسطين!
نعم نحن في حزبِ التحريرِ نُصِرُّ على توجيهِ ندائِنا الحارِّ لضباطِ وضباطِ صفِّ وجنودِ الجيشِ المصريِّ وكلِّ الجيوشِ في بلادِ المسلمينَ أنْ هُبُّوا لنصرةِ أبناءِ الأمة، فَهُمْ من الأمةِ وهِيَ منهم، يعتقدونَ نفسَ العقيدةِ ويؤمنونَ باللهِ ورسولِه، يُحْزِنُهُمْ ما يُحزِنُ الأمةَ ويَفْرَحُونَ لِما يُفْرِحها، يشعرونَ بما تَشْعُر، فالمسلمُ أخو المسلمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يُسْلِمُه، والمؤمنُ للمؤمنِ كَالبُنيانِ المرصوصِ يَشُدُّ بعضُهُ بعضاً. ونحن على يقينٍ أنّ في جيشِ الكِنانةِ كما في غيرِهِ من جيوشِ المسلمين، فيه المخلصونَ الذينَ يألمونَ لِما يَألَمُ منه المسلمون، ولولا خيانةُ بعضِ القادةِ الذين تَلْعَنُهُمُ الأمةُ صباحَ مساءَ لَكانَتْ هَبّةُ هؤلاءِ لِنُصْرَةِ أبنائِنا وإخوانِنا وأمهاتِنا وأطفالِنا في غزةَ أقربَ مِنْ رَدِّ الطَّرْف.
لقد كانت مصرُ دوماً هي الصخرةَ التي تتحطّمُ عليها أحلامُ الكفارِ وأطماعُهُم، فمن مصرَ انطلقَ صلاحُ الدينِ لِيُحرِّرَ فلسطينَ من الصليبيينَ فهَزَمَهُمْ في حطّين، ومصرُ هي التي قهرتِ التتارَ في عَيْنِ جالوت، لقدْ باتتِ اليومَ بفضلِ الحكامِ الخونةِ تتوسَّطُ بينَ يهودَ وبينَ أهلِ غزّةَ كأنّهُ لا علاقةَ لها بالموضوعِ وأنَّ ما يجري ليس في خاصِرَتِها، بل في بلادِ الواق واق، لقد نسيتْ مصرُ إسلامَها والجهادَ في سبيلِ الله، شأنُها في ذلكَ شأنُ باقي الدولِ العربيّةِ وبخاصّةٍ دولُ الطوق، الذين يَمنعونَ الجيوشَ مِنْ نُصرةِ أهلِ غزةَ بالقضاءِ على كِيانِ يهود، بل باتَ هَمُّهُمْ هو حمايةَ كيانِ يهودَ من ضَرَباتِ المجاهدين، وتثبيتَهُ في الأرضِ المباركةِ فلسطين.
لقد أثبتَ رجالُ القوّاتِ المسلَّحةِ في حربِ أكتوبرَ التي زَلْزَلَتْ كِيانَ يهودَ أنهم هُمُ الرِّجالُ الرجال، يومَ أُتيحَتْ لَهُمُ الفُرصةُ لِيُنْسُوا يهودَ وساوسَ الشيطان، ولولا خيانةُ القيادةِ السياسيةِ لكانَ زوالُ هذا الكِيانِ المسخِ هو النتيجةَ الطبيعيّةَ لِحَرْبِ العاشِرِ من رَمضانَ التي خاضَها الجنودُ والضُّباطُ وَهُمْ يُكَبِّرُونَ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبر. لقد أدركَ هؤلاءِ الرِّجالُ أنَّ كيانَ يهودَ هو نَمِرٌ مِنْ وَرَق، وأنَّ فتيةً آمنوا بربِّهِمْ وزادَهُمُ اللهُ هدى، قليلي العددِ والعُدَّةِ استطاعوا بعونِ اللهِ ورعايتِهِ أنْ يُلَقِّنُوا يهودَ درساً لن يَنْسَوْهُ أبدا، فما بالُنا لو تحرَّكَتْ تلكَ الجيوشُ بقيادةِ رجلٍ مخلصٍ يُحِبُّ اللهَ ورسولَهُ ويُحِبُّهُ اللهُ ورسولُه، فواللهِ ثم واللهِ إنهم لَقادرونَ على أنْ يَقْطَعُوا دابرَ أشَدِّ الناسِ عَداوةً للذينَ آمَنُوا والقضاءِ عليهم قضاءً مُبْرَما.
نعمْ إنّهُ نداءٌ حارٌّ للشرفاءِ والمخلصينَ من القادةِ والضباطِ والجنودِ في جيشِنا، أنْ يكونوا أوّلَ مَنْ آزَرَ ونَصَرَ، فنحنُ نعلمُ أنَّ فيهِمُ الرِّجالَ والرُّجولةَ، وفيهم الأبطالَ وصانعي البطولة، نعلمُ أنَّ فيهم النّخوةَ والشّهامةَ والمروءة. إنهم من سُلالَةِ رِجالٍ عَلَّمُوا الدنيا كيفَ تُصْنَعُ البُطولة، بطولَةُ الرِّجالِ على الرِّجالِ في ساحاتِ الوَغَى، فلمْ يُسَجِّلْ عليهِمُ التاريخُ انتهاكاً لِحُرُماتِ الآمِنينَ من النّساءِ والأطفالِ والشّيوخ، نعلمُ ذلكَ وأكْثَرَ، فَهُمْ أحفادُ خالدٍ وسَعْدٍ وعمرِو بنِ العاصِ وصلاحِ الدين، ونعلمُ أنّهُ لا يُرْضِيهِمْ ما جرى ويجري لأمَّتِهِمْ في شتى بقاعِ بلادِنا، ونعلمُ أنَّ الدِّماءَ تغلي في عُرُوقِهِمْ، وأنهم في صِراعٍ مَعَ النَّفْسِ وفي حِـيرَةٍ مَعَ الذّات، تُنازِعُهُمْ رُجُولَتُهُمْ ومسؤولِيَّتُهُمْ فلا يَسْتَقِرُّ لهم بداخِلِهِمْ حال، نعلمُ كَمْ أَنَّهُمْ مُحْرَجُونَ أمامَ أَنْفُسِهِمْ وأمامَ مَقاماتِهِمُ العسكريّةِ ورُتَبِهِمْ، يُحِسّونَ بِكُلِّ التقصيرِ والهَوان، يَنْظُرُ أحَدُهُمْ إلى نَفْسِهِ في المرآةِ وهُوَ بكاملِ قِيافَتِهِ العسكريّةِ فَيَجِدُ نَفْسَهُ جِنرالاً لا يليقُ بِهِ إلاّ أنْ يكونَ لِساعاتِ الشِّدَّةِ التي تَمُرُّ بها أمَّتُه، ثم يَنْظُرُ بِفِكْرِهِ إلى واقِعِهِ والواقِعِ مِنْ حَوْلِهِ فَيَجِدُ أنّهُ إذا بَقِيَ على هذِهِ الحالِ فلنْ يكونَ جِنِرالاً إلاّ على نَفْسِه، ويكونُ قد دَخَلَ الحياةَ وأنْعَمَ اللهُ عليهِ بالفُرْصَةِ الذَهَبِيَّةِ لكيْ يَضَعَ بَصْمَتَهُ في هذِهِ الحياةِ الدنيا مُخَلَّداً ذِكْرُهُ للأبَدِ كأسلافِهِ العِظام، ولكنّهُ رَكَنَ إلى الحياةِ خَوْفاً من شيءٍ أو طَمَعاً في شيءٍ من حُطامِ الدنيا، فَيَخْرُجُ من الحياةِ كأيِّ إنسانٍ عاديٍّ لا يَذْكُرُهُ أحَدٌ ولا يَعْرِفُه، “قائدٌ عسكريٌّ بِرُتْبَةٍ نَكِرَة” حارَبَ طِوالَ حياتِهِ نوازِعَ الخيرِ تِلْكَ التي طالَما تَجاذَبَتْهُ لِيَكُونَ عَلَماً بارِزاً يُشارُ إليهِ بِالبَنان، لكنّهُ رَضِيَ بأنْ يكونَ مَعَ الخوالف. وأخيراً فَمَنْ غَيْرُ جيشِ الكِنانةِ بِقُوَّتِهِ وعَدَدِهِ وَعُدَّتِهِ وَرِجالِهِ سَيُنْسِي يهودَ وَساوسَ الشيطان، كلُّ ما يحتاجُهُ هُوَ قائدٌ فَذٌّ كَصَلاحِ الدّينِ أو قُطُزَ أو بِيبَرْسَ وَهُمْ في الأمّةِ كُثْر، وسيأتي اليومُ الذي يقودُ فيهِ هذا الجيشَ خَلِيفَةٌ تقيٌّ نقيٌّ يُقاتَلُ مِنْ ورائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ وَإِنَّ غداً لِناظِرِهِ قريب.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾