الإرهاب لغةً، مصدر مشتق من الفعل (أرهب) بمعنى أخاف أو فزّع. قال تعالى: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكمْ﴾ أي تخيفون به العدو. إلا أن هذا المعنى تم صرفه إلى معنى اصطلاحي جديد. فقد اتفقت كل من الاستخبارات الأمريكية والاستخبارات البريطانية في ندوة عقدت لهذا الغرض عام 1979م على أن الإرهاب هو: “استعمال العنف ضد مصالح مدنية لتحقيق أهداف سياسية”. وبما أن الإسلام قد رشحته أمريكا لتتخذه عدوا لها بعد زوال الشيوعية، فقد لوحظ أن كل الأنظمة التي تشكلت بعد الثورات في العالم العربي قد أعادت استنساخ أنظمة عميلة للغرب، مما حذا بها أن ترفع شعار (محاربة الإرهاب) لتضرب عصفورين بحجر واحد، فهي تريد إسكات الدهماء تحت دعوى أن أمنهم واستقرارهم وعيشهم مهدد بسيف الإرهاب، وفي الوقت نفسه ترسل رسالة للغرب بأننا معكم ونحن جنودكم في معركة الحرب على الإرهاب. وقد لاحظنا كيف أن الرئيس الجديد لمصر السيسي أكد على أن أولويته الأولى هي مكافحة الإرهاب ليستدعي الدعم الغربي لنظامه المشكوك في شرعيته.
ففي 24/7/2013م، طلب زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي “تفويضا” من الشعب لمواجهة “الإرهاب المحتمل”، ورغم قيامه بفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14/8/2013م، بناءً على ذلك “التفويض” بطريقة وحشية خلفت مئات بل آلاف القتلى، إلا أن الحديث عن الإرهاب والإرهابيين لم ينقطع منذئذٍ، وأصبح هذا اللفظ من أكثر الألفاظ تردادا على ألسنة حكومات ما بعد 30 يونيو والسياسيين المؤيدين لها، ومن ثم أصبح هو شعار المرحلة على ألسنة مقدمي البرامج والإعلاميين الذين يشكلون أبواقًا عمياء للنظام الجديد، ومن يتابع برنامج الصندوق الأسود لعبد الرحيم علي يدرك مدى قذارة هذه الحرب، وقدرتها الجهنمية على تنفير الناس من حملة الدعوة الإسلامية.
لقد أعاد بروز هذا المصطلح على سطح الأحداث في مصر إنتاج نظام مبارك، الذي لم يكن يترك مناسبة إلا ويردد هذا المصطلح ويحاول أن يخوف العالم ويرعبه بوسم أصحاب المشروع الإسلامي به، سواء من كان يتبنى العمل المسلح منهم، أم من يتبع الوسائل السلمية بما فيها حتى مَنْ قَبل الانخراط في العملية الديمقراطية، بل ظل مبارك يردد طوال فترة حكمه دعوة العالم لعقد مؤتمر دولي للحرب على “الإرهاب”. وعودة المصطلح بهذه الكثافة على الساحة المصرية ينبئ باتجاه خطير لاستعداء التيار الإسلامي كله، وصناعة حالة من التخويف تجاه من يعمل للإسلام تماما كما كان يفعل مبارك، وكما فعلت أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر، عندما رفعت شعار “الحرب على الإرهاب”، وجعلت منه مبررا لاحتلال أفغانستان والعراق، ولقتل كل من يناوئها ويرفض السير في ركابها ممن سمتهم “إرهابيي اليمن وباكستان”. لقد أراد السيسي أن يتخفى أيضا وراء هذا الشعار فيقتل ويحرق ويعتقل ويصادر، دون رقيب أو حسيب، خصوصا في ظل قوانين لم تعد استثنائية كما في السابق، بل أصبحت في صلب النظام كقانون التظاهر وقانون الإرهاب، والمحاكم الاستثنائية لقضايا الإرهاب.
واللافت في الممارسات التي يقوم بها ورثة نظام مبارك أنها تتم تحت شعارات ثورية يرفعها أبواق الانقلاب الإعلامية، فيدعون أنه “لا مكان للإرهاب” في مصر، بينما هم يمارسونه صباح مساء، ويتشدقون بمقولة “نعم لدولة القانون”، وهم يتجاوزونه في جُلّ تصرفاتهم، ينادون بـ”دستور لكل المصريين” ويضعون فصيلا منهم في السجون بدلا من إشراكهم في وضع ذلك الدستور، يطالبون بـ”عدم الإقصاء” بينما لا مكان لمن لم يعترف بما ترتب على ما أسموه بـ”ثورة 30 يونيو”، وهلم جرًّا…
قد تكون الولايات المتحدة قادرة على الصمود في حربها على الإرهاب، كونها استطاعت أن تحشد معها مناصرين ومؤيدين لحربها تلك، ناهيك عن قدرتها على استخدامها للدول التي احتلتها كأفغانستان والعراق لخوض تلك الحرب معها، أو حتى القيام بها بالوكالة عنها، ولكن مما لا شك فيه أنها تكبدت آلاف القتلى وأضعافهم من الجرحى، ناهيك عن ترليونات الدولارات من الخسائر، ولكن نظام ما بعد الانقلاب لا يمتلك مثل هذه الإمكانيات التي للولايات المتحدة، وبالتالي فهناك شك كبير في قدرته على الاستمرار في تلك الحرب وتحقيق النجاح فيها.
لقد كشفت تلك الحرب المزعومة على الإرهاب الصورة الزائفة للولايات المتحدة، والتي ظلت أمريكا تصدرها للعالم باعتبارها حامية حقوق الإنسان في العالم، فلقد انكشفت أمريكا بمرور الوقت وانكشف كذب ادعائها بمحاربة الإرهاب، وظهر للعالم أنها بحق أكبر دولة إرهابية في العالم. وكذلك بمرور الوقت سينكشف للناس هنا في مصر زيف الادعاء بمحاربة الإرهاب الذي طلب السيسي من الناس تفويضا له.
وكما كان الإعلام الأمريكي ضالعا في التحريض على الإسلام باعتباره العدو الحقيقي، ولكن تحت شعار “الحرب على الإرهاب”، فكذلك الإعلام المصري ضالع وبشكل أكثر فظاظة في التحريض على الإسلام تحت المسمى الموهوم نفسه “الإرهاب”. خصوصا وهو الآن يكاد يكون إعلاما من طرف واحد موجهاً بتوجيه حكومة الانقلاب، حيث تم من اللحظة الأولى غلق كل قناة إعلامية قد يُشتمّ منها رائحة التحريض ضد الانقلابيين. ولهذا نستطيع القول أن عودة الحديث عن الحرب على الإرهاب التي كانت قد اختفت من الوسط السياسي المصري باختفاء المخلوع مبارك من المشهد السياسي، هي ولا شك عودة لنظام مبارك القديم.
إن هذا الواقع السيئ ومحاولة تصوير كل من يعمل لوضع الإسلام موضع التطبيق بالإرهابي الذي لا يريد خيرا لهذا البلد هو بلا شك عقبة يحاول الكافر المستعمر من خلالها تأخير حصول التغيير الجذري بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في أرض الكنانة، وإن كان يعلم أنه لا يستطيع الحيلولة دون إقامتها…
ومن هنا ونحن نعمل لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فقد أصبح لزاما علينا بوصفنا هدفا مباشرا لسياسة ما يدعى بمقاومة الإرهاب أن نكشف للرأي العام الإسلامي والعالمي حقيقة ما يسمى “الحرب على الإرهاب” وحقيقة هذا النظام الفاشي الذي يمارس إرهاب الدولة على شعبه صباح مساء، وأن أمريكا هي دولة مجرمة تسند كل أنظمة البطش والإرهاب في العالم ولا بد من كشف كونها أكبر داعم لنظام بشار الأسد الذي يلقي يوميا براميله المتفجرة على رؤوس الناس في مدن سوريا المختلفة، بل لا بد من كشف أمريكا باعتبارها وراء الكثير من العمليات الإرهابية في العالم، وإن نُسبت إلى أسماء مسلمين.
ومن هنا كان لا بد من العمل الجاد لإحداث التغيير الجذري والذي لا يمكن له أن يتم بدون أمرين:
الأول: إيجاد رأي عام منبثق عن وعي عام عند الأمة على مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وبيان زيف الحديث عن “محاربة الإرهاب”، وأن وصف الإسلام بالإرهاب وحملته بالإرهابيين وصف مغرض ومخالف للواقع ومخالف لما أراده الله من الإسلام. قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ وهذه الرحمة تتمثل بتنفيذ أحكام الإسلام، لا فرق بين الصلاة والجهاد، ولا بين الدعاء وإرهاب العدو، ولا فرق بين الزكاة وقطع يد السارق، ولا بين إغاثة الملهوفين وقتل المعتدين على حرمات المسلمين، فكلها أحكام شرعية، ينفذ المسلم أو الدولة كلا منها على واقعه وفي وقته. وهذا يتم من خلال الصراع الفكري مع الأفكار المخالفة للإسلام الموجودة في المجتمع، كأفكار الديمقراطية والوطنية والقومية والعلمانية وغيرها، والكفاح السياسي مع الحكام من خلال فضحهم وكشف ألاعيبهم وعمالتهم لأعداء الأمة، وكشف خطط الكافر المستعمر في بلادنا.
الثاني: طلب النصرة من أهل القوة والمنعة، الممثلة في الجيش وأصحاب الرأي في الدولة.
ولذلك يجب أن يعمل جميع أبناء التيار الإسلامي على تحقيق هذين الأمرين في المجتمع، خصوصا وقد تبين للجميع أن طريق الديمقراطية والمشاركة السياسية في تلك اللعبة لا يوصل إلى التغيير المنشود، ولقد رفض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الحكم منقوصا أو مشروطا…، فصبر على الأمر رغم أذى قريش له وللصحابة وقتلهم إياهم، ووجود حاجة ماسة لقبول دعوتهم للمساومة، ومع ذلك رفض صلى الله عليه وسلم الحل الوسط والدخول في النظام الفاسد القائم، واستمر في سيره يصدع بالحق لا يداهن ولا يساوم حتى منَّ الله عليه بأن ساق له هذا الحي من الأنصار فبايعوه ونصروه، وأعطوه السلطان كاملاً، فأقام بهم ومعهم الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة.
قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾