مقالات فكري

لن تستقر مصر ولا المشرق كله بالتبعية للغرب ومعوناته وإنما استقرارها بخلافة على منهاج النبوة

خبر وتعليق

الخبر:

نقلت جريدة اليوم السابع الصادرة الاثنين 4 أيار/مايو 2015م، استقبال الرئيس المصري لوفد من أعضاء الكونجرس الأمريكي برئاسة ديفين نونيز رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي، وتصريح المتحدث باسم الرئاسة حول ترحيب الرئيس بوفد الكونجرس الذي يعكس عمق العلاقة الاستراتيجية التي تربط بين البلدين، كما نقلت عن رئيس الوفد أنه أعرب عن سعادته باستئناف المساعدات العسكرية لمصر، وعودة علاقة الشراكة بين البلدين، وذكرت دعوة الرئيس المصري للدول الصديقة وعلى رأسها أمريكا لدعم مصر سياسيا واقتصاديا وأمنيا لما في ذلك من ضمانة لاستقرار الشرق الأوسط، وما أكده من ضرورة تعامل المجتمع الدولي مع ظاهرة الإرهاب بمنظور شامل لا يعتمد على الحلول الأمنية فقط، ثم نقلت أخيرا ما أكده أعضاء الوفد أن مصر تعد حجز الزاوية وأساس الاستقرار في الشرق الأوسط، وأنهم سيستمرون في دعم مصر داخل الكونجرس الأمريكي وتقديم كل المساهمات الممكنة، بما فى ذلك على الصعيد العسكري، لمساندة مصر فى حربها ضد الإرهاب، سواء في سيناء أو لتأمين الأخطار التي تهدد أمن مصر القومي على حدودها الغربية.

التعليق:

قد يرى البعض في مصر بلدا فقيرا محتاجا يقتات على معونة أمريكا والغرب، دون نظر دقيق لما تحويه من خيرات وما تملكه من موارد ومقومات تضعها في مصاف الدول الكبرى إن لم تكن الدولة الأولى، الأمر الذي جعل منها مطمعا لكل طامع، وقديما قالوا من يملك مصر يملك العالم، وهذا عين ما يدركه ساسة أمريكا الآن ويعملون على ترسيخه وبقائه واستمراره، فربطوا النخب السياسية والعسكرية ورجال المال والأعمال في مصر بهم ربطا كاملا، فلا يصل إلى قيادة الأفرع إلا من درس في كلية الحرب الأمريكية وحاز الرضا والقبول من البيت الأبيض، ولعل هذا قد ظهر جليا حينما قَدَم طنطاوي السيسي للسفيرة الأمريكية كوزير الدفاع القادم لمصر، وهو نفسه ما عبر عنه تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي السابق عندما صرح أمام الكونجرس قائلا: (إن استثماراتنا فى الشرق تنتج رؤساء ووزراء دفاع)، وهذا يحيلنا إلى الغاية من تلك المساعدات وكنهها، فهي استثمارات تمنحهم تواصلا عن قرب مع قادة الجيوش ومعرفة تسليحهم وتمكنهم من التأثير فيهم وتغيير عقيدتهم القتالية، وهذا بعض ما نراه الآن واقعا حيث صار عدو الأمة جارا نحترمه ونحفظ أمنه، وهو عين ما قاله الرئيس السيسي عندما قال في أحد لقاءاته: (لن نسمح بأن تصبح سيناء مصدر تهديد لدولة جارة أو أن تهدد أمن إسرائيل)، وهو ما عبر عنه أحد العسكريين المتقاعدين في اتصال على أحد برامج التوك شو قائلا: (إن مهمة الجيش المصري هي حفظ أمن إسرائيل).

هذا ما جعل السلاح والمعدات التي يدفع ثمنها أهل مصر من أقواتهم توجه نحو صدورهم حاصدة أرواحهم، مسيلة لدمائهم عوضا عن توجيهها نحو كيان يهود عدو الأمة وعدوهم، فرأينا تهجير أهالي سيناء وتدمير بيوتهم وحصار أهل غزة، فهل تحتاج مصر إلى هذه المعونات؟! إن مصر الكنانة بواقعها وموقعها وما حباها الله به من ثروات ظاهرة وباطنة ليست غنية فحسب، بل مؤهلة فعلا لأن تكون دولة عظمى إن لم تكن الدولة الأولى في العالم، واستعراض ثرواتها لا يتسع المجال هنا لذكره؛ ويكفينا أن نقول أنه أضعاف أضعاف موارد دولة كبريطانيا العظمى مثلا، فمن مناجم الذهب إلى الغاز والنفط وحتى رمال الصحراء، ناهيك عن الطاقة البشرية الهائلة غير المستغلة، فماذا تحتاج مصر الآن حتى يصلح حالها ويعالج مشكلاتها وحتى تستقر ويستقر معها الشرق الأوسط بل والعالم كله؟!

إن مصر لا تحتاج إلى معونات أو قروض ترهنها للرأسمالية العفنة الجشعة، وإنما تحتاج إلى خلافة على منهاج النبوة تنهي تبعيتها للغرب وتقطع أياديه التي تعبث بمقدراتها، فتعيد إليها خيراتها وثرواتها وتمكنها من الانتفاع بها، وتعيد توزيع الثروة توزيعا صحيحا على أساس الإسلام، وتعيد تقسيم الملكيات تقسيما صحيحا يحفظ حقوق الناس وملكياتهم وتقضي على الفقر قضاء تاما، لأنها تنظر إلى الفقر نظرة صحيحة بينها الشرع وعالجها علاجا صحيحا.

نعم إن مصر هي حجر الزاوية لاستقرار المنطقة كلها ولكن كيف تستقر مصر والمنطقة؟! وما الذي يحفظ أمن مصر والمنطقة بل والعالم أجمع؟! إن الرأسمالية التي حكمت مصر والعالم لعقود من الزمن عجزت عن توفير أي قدر من الأمن والاستقرار ولم تعالج أياً من مشكلات الناس، بل رسختها وأوجدت المزيد منها، وما تفشي الفقر والقتل والمجازر على أيدي الرأسماليين منكم ببعيد، فضلا عن الخمور والمخدرات وكل الموبقات، مما يثبت بما لا يدع مجالا للشك حاجة مصر والدنيا كلها إلى نظام من عند حكيم خبير، قادر على علاج كل مشكلات البشر، وكفيل بإيجاد الأمن والاستقرار لمصر وغيرها.

وكون مصر حجر الزاوية وبيضة القبان في تلكم المعادلة يكمن في توسطها بين الشرق والغرب وتملكها لأهم ممر مائي ومعبر للسفن يربط الشرق بالغرب، وتميز موقعها الذي يجعل منها ملتقى خطوط التجارة والمواصلات في العالم كله، فضلا عما تتمتع به من موارد ومقومات تكفيها الحاجة إلى غيرها وتجعل الجميع محتاجاً لها، لهذا كان لها تأثيرٌ فاعل في الصراعات الدولية، وصار من يملكها هو المؤثر في هذه الصراعات، ومن هنا يأتي حرص أمريكا على ربط حكام مصر بها بشكل قوي يمنعها من الانعتاق ويبقي على تبعيتها وهذا ما عبر عنه وزير خارجية مصر السابق نبيل فهمي بأن (العلاقة بين مصر وأمريكا هي زواج كاثوليكي)، في تناغم مع ما صرح به الرئيس المصري لاحقا (إن مصر لن تدير ظهرها لأمريكا)، في إقرار واضح بالتبعية والعمالة والحرص على بقاء التبعية ولو تطلب الأمر إبادة شعب بكامله وإعلان حرب على دينه.

فأين أهل مصر الكنانة شعبا وجيشا من كل هذا، وعلام صبرهم وقد وصل الحال إلى ما هو عليه من تهميش وتجهيل وإفقار وتجويع ناتج عن الرأسمالية والتبعية ومصحوب بالمعونة المخزية التي تحافظ على تلك التبعية.

يا أهل الكنانة: يا من قهرتم الصليبيين والتتار وكنتم درع الأمة الحامي لعقود طويلة من الزمن، يا أحفاد عمرو بن العاص وصلاح الدين وقطز وبيبرس، هؤلاء العظام الذين تكسرت تحت سنابك خيلهم جحافل أعداء الأمة، إنكم على ثغر عظيم من ثغور هذه الأمة وبيدكم تستطيعون نصرها ونصرتها، فانفضوا أيديكم من كل خائن عميل تابع لأمريكا، وضعوها في يد المخلصين من أبناء الأمة القادرين على تحكيم الإسلام كاملا في دولة الخلافة على منهاج النبوة، جددوا عهدكم وكونوا أنصار الله ورسوله وحملة دعوته ليعود مجد مصر والأمة كلها ويعم الخير العالم أجمع، فيستظل الناس بعدل الإسلام ويرونه واقعا عمليا مطبقا، واعلموا أنه والله عز الدنيا والآخرة وأن ما دونه خزي الدنيا والآخرة.

يا أهل الكنانة الكرام إن خيركم وعزكم في امتناعكم عن معونة الغرب ومساعداته وإقامة خلافة على منهاج النبوة تصلح اعوجاجكم وتعيد ضبط منهاج حياتكم بوحي الله، فتنعمون والعالم معكم بالأمن والاستقرار الحقيقي البعيد عن أوهام الغرب ورأسماليته، فبادروا إليها قبل غيركم وارفعوا راية رسول الله (saws) التي ارتضاها لكم تفوزوا بعز الدنيا وشرفها ورضا الله والكرامة في الآخرة.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ