مقالات فكري

بطاقة تهيئة واجبة لأهل بلادي في عيد استغلال بلادي عيد الاستقلال

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ  بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

عيد الاستقلال: هو يوم من كل سنة تحتفل فيه الشعوب والدول بمناسبة مرور أعوام على الاستقلال أي التحرر أو استعادة الحرية من استعمار أجنبي أو وصاية خارجية. لتذكير الأجيال الناشئة بمدى معاناة الآباء من أجل الحصول على الحرية وغرس روح الحب للوطن في قلوبهم. وتتخذ معظم الدول هذا اليوم كعطلة رسمية وطنية. يشتمل هذا اليوم عادة على تنظيم عروض عسكرية، وإطلاق الألعاب النارية، وأداء الرقصات الشعبية احتفاء بهذه المناسبة وهذا الانتصار.

وفي الأردن يصادف هذا اليوم 25/5/2015 يوم استقلالها، عن منْ؟! لا ندري ونحن ما زلنا نرى بلادنا تابعة؟! كيف استقلت بلادنا؟! وعمّن استقلت؟! هذا ما دفعنا أن نقوم بواجبنا نحو أهلنا وأبنائنا من تصويب للأوضاع وتهيئة الأهل والبلاد لمشروع استقلال حقيقي، لا وهمياً لا يراه أبناؤنا إلا في طقوس احتفالية تخلو من أي مضمون صحيح.

فقد أسّست بريطانيا إمارة شرق الأردن وكانت خاضعة آنذاك للانتداب البريطاني بعدما انهارت دولة الخلافة الإسلامية العثمانية ونَصَّبوا عليها الأمير عبد الله بن الحسين عام 1921، واستقلت عام 1946 ونودي بالأمير عبد الله ملكًا عليها، أي أنها استقلت عن بريطانيا واعترفت بها الأمم المتحدة – التي صنعتها بريطانيا ودول الاستعمار معها – كدولة مستقلة ذات سيادة وعُرفت منذ ذلك الحين باسم المملكة الأردنية الهاشمية.

معنى هذا أنه لم يكن هناك إمارة اسمها إمارة شرق الأردن، ولا دولة اسمها المملكة الأردنية الهاشمية، فماذا كانت تسمى حتى ذلك الوقت؟! ومن كان يحكم أجدادنا؟! هل تعلم؟!

والنظام في المملكة الأردنية الهاشمية هو نظام ملكي دستوري مع حكومة تمثيلية. الملك يمارس سلطته التنفيذية من خلال رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، الذي في الوقت نفسه، هو مسؤول أمام مجلس النواب (المنتخب) ومجلس الأعيان – المُعَّين من قبل الملك – اللذين يشكلان السلطة التشريعية للدولة. إضافة للسلطة القضائية، هكذا أراد الإنجليز للأردن أن يكون بعد احتلالها.

يقول الأستاذ عاطف الكيلاني في مقال له تحت عنوان “عيد الاستقلال كل عام والوطن بخير” على موقع جريدة الحقيقة الدولية: “جاء استقلال بلادنا عن طريق المفاوضات مع بريطانيا والتي توجت بالمعاهدة الأردنية البريطانية عام 1946 والتي عدلت في 15 أيار 1946 مع إبقاء القوات البريطانية في الأردن… وفي ما تلا ذلك من سنوات عصيبة عاشها الأردن وطنًا وشعبًا (تخللتها النكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948) واصل شعبنا الأردني نضاله الوطني الضاري وخاض المعارك الشرسة من أجل استكمال الاستقلال الوطني الناجز وتعريب الجيش الأردني الذي كان تحت قيادة بريطانية (كلوب) وإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية”.

أليست هذه مغالطة مع سبق الإصرار يلوي بها الكاتب أعناق الحقائق لتخدم وهمًا مصنوعًا اسمه استقلال، يقول: “جاء استقلال بلادنا عن طريق المفاوضات مع بريطانيا والتي توجت بالمعاهدة الأردنية البريطانية عام 1946 والتي عدلت في 15 أيار 1946″، فمع مَنْ تفاوض الأردنيون؟! لا بل ومن هم هؤلاء الأردنيون الذين تفاوضوا مع بريطانيا فكان أن نَصَّبوا عليهم ملكًا ليس منهم؟! أليست الحقيقة أن بريطانيا كانت تفاوض نفسها وتقرر ونسمع لها ونطيع، أليس “كلوب باشا” هو مؤسس الجيش العربي؟! ألم تسمعوا أن الجيش الأردني وتحت إمرة كلوب باشا كان يخوض حربًا مع عصابات اليهود التي أتى بها البريطانيون أنفسهم إلى فلسطين؟! يا لسخرية ما كتب التاريخ عنا في تلك الأيام، بريطانيا تفاوض نفسها فتمنح الأردن استقلالا، وبريطانيا تقاتل نفسها لدحر عصابات اليهود بأيدي الجيش الأردني، فتكون النتيجة انسحاب الجيش الأردني وغيره أمام عصابات اليهود بمساعدة بريطانيا، فتكون النكبة.

نعم كانت النكبة، وكم يشفق الواحد منا على نفسه عندما يقرأ تصريحاً لضابط أردني اسمه “عبد الله التل” كان وقتها مسؤولاً عن حماية منطقة القدس من عصابات يهود، عندما صعق من الأوامر التي تأتيه بالانسحاب من مواقعه رغم سيطرته الكاملة على الأرض، فلماذا تستمرون بالمغالطات وقد انكشف المستور، والشعب الأردني العربي المسلم الأبي لم تعد تنطلي عليه كل هذه المهازل السياسية والإعلامية، نعم بذل أفراد وضباط جيشنا الأردني الغالي والنفيس في سبيل حماية فلسطين ولم ينسحبوا من هزيمة عسكرية، بل هي هزيمة سياسية فرضتها عليهم القيادة السياسية التي كانت تسعى إلى تلك المعاهدة التي أسميتموها لنا زورا “الاستقلال”، وللحقيقة والتاريخ أقول؛ أن هناك وللآن في صفوف أبناء قواتنا المسلحة رجالاً لم تختبرهم الساحات في معارك حقيقية مع اليهود والكفار والمستعمرين، ولتعلموا أن هؤلاء الرجال هم أمل بلادنا، وما أن ينكسر قيد الاستقلال الاستعماري هذا عن رقاب بلادنا حتى تروا رجال الأردن كيف يروون أرض الحشد والرباط بدمائهم الزكية فقط طلبًا للشهادة، وقد رأيتم ورأى العالم معكم من هو الجندي الأردني العربي المسلم الذي نازلهم يوم الكرامة.

وعلى موقع جريدة الرأي نشر ما نصه “69 عامًا على الاستقلال.. والذي تتجدد فيه معاني الاعتزاز والفخر لدى الأردنيين بتحمل مسؤولياتهم تجاه وطنهم، وحماية مكتسبات الاستقلال ومنجزات الوطن”، الاعتزاز والفخر بماذا؟! والأقصى يدنس بجانبنا كل يوم؟! وما هي مكتسبات الاستقلال هذه ومنجزاته، أهي تعبيد الطرق وبناء الحدائق والمدارس؟! وكأن العالم كله يخلو من هذه الإنجازات التي لا يجوز حسابها إلا لمصلحة الاستقلال، أي استغلال أرعن هذا لتضخيم كل ما هو طبيعي على أنه من منجزات لاستقلال الدولة.

إلا أنه لا بد في هذه المناسبة من أن أتقدم إلى أفراد وضباط وضباط صف قواتنا المسلحة والشرطة والدرك بتهنئة من نوع خاص، ليس بمناسبة الاستقلال، فنحن لم نتمتع باستقلالنا بعد، بل بمناسبة أنهم هم الرجال الذين صنع إخوانهم ملحمة الكرامة والإباء رغم قلة الحيلة، أسوق لهم هذه الحكاية عن بطولة أحد إخوانهم رواها لي ضابط ذو رتبة عالية كان في ساحة القتال ذاتها، وللأمانة أقول أن هذا الضابط غالبته عيناه بفيضِ دمعٍ لم يستطع حبسه أبدًا وهو يتكلم عن زميل له قضى نحبه في ساحة المعركة حيث يقول: “أنه كان لدينا في المقدمة ما نسميه بضابط الملاحظة الذي كان يعطي للمدفعية إحداثيات الأهداف لتقصفها، فإذا به يعطينا إحداثيات هدف هو “موقع الخندق الذي يتمركز فيه هو كضابط ملاحظة”، فصُعِقنا لما استلمنا الإحداثيات فقلنا له أمجنون أنت؟! هذه إحداثيات الخندق الذي أنت فيه، يقول: رد علينا بقوله اقصف فورًا ولا تتأخر فأرتال الدبابات الإسرائيلة فوق رأسي وتحيط بي اقصف بكثافة أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله”.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ها أنتم أيها الإخوة الأبطال أنتم من سلالة رجال علموا الدنيا كيف تكون البطولات، أنتم أبطال وأصحاب رسالة، أيرضيكم استقلال مهين يمنون به علينا مجرد الحياة ولقمة العيش؟! أنحتفل باستقلال “سايكس- بيكو”، وبين أظهرنا يرقد أبو عبيدة وشرحبيل ومعاذ وضرار، أنحتفل باستقلال سايكس بيكو وبطاح معان ومؤتة تكاد تُسمعنا سنابك خيل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة وابن الوليد؟! أنحتفل باستقلال سايكس بيكو وقلعة صلاح الدين في عجلون الأبية تشهد على أمجادكم وحصون قلعة الكرك الشماء يفوح منها عبق مجد أمتنا، أنحتفل باستقلال سايكس بيكو وضفاف اليرموك تشدك إلى مشهد كله رجولة وتضحية في سبيل الله وحده، بلادنا التي رواها أجدادنا الأوائل بدمائهم الزكية لتعلو كلمة الله، وتكون كلمة الذين كفروا السفلى، أترضون أن ترددوا وراء هذه الأبواق شعارات فارغة من كل مضمون، فتقولوا الأردن أولًا، لا لا لا ما خلقنا لنقول ذلك، بل لله العزة ولرسوله وللمؤمنين، هلموا أيها الإخوة وأسمعوهم أن الإسلام أولا وثانيا وثالثا وأخيراً لا نرضى إلا بما يرضي ربنا هو مولانا وإليه المصير ولا تخشوا إلا الله، هؤلاء يدعونكم إلى حتفكم في الدنيا والآخرة وما هم مُغْنون عنكم شيئًا، فما هم إلا دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها ومن عصاهم فقد سلم، فاخلعوهم قبل فوات الأوان ولا ترضوا أن ينطبق عليكم قول الله تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾.

اللهم كن لأهلنا في الأردن خير معين واحفظهم من شرور الأشرار وأرهم الحق حقًا وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلًا وارزقهم اجتنابه، وارزقهم استقلالًا لا يشعرون فيه بالحاجة إلا إليك، اللهم وسع عليهم أرزاقهم فقد ضيقوا عليهم عيشهم، فإن في الأردن رجالًا أنْعِم بهم ثم أنْعِم وأَكْرِم ثم أَكْرِم، اللهم وكن مع إخوتنا في قواتنا المسلحة الباسلة التي ما انهزمت يوما بفعل خوف أو جبن أو فرارًا من إخوان القردة والخنازير، اللهم اجعلهم أبناءً لأمتهم وعونًا لها وانصرنا بهم على عدوك وعدونا إنك أنت القادر على ذلك يا مؤلف القلوب وباعث الأمل في النفوس اللهم آمين.