مقالات سياسي

فرض غرامات مالية على 52 مليون مصري، يؤكد عدم قبول النظام شعبيا

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد أن خرجت انتخابات مجلس الشيوخ، التي جرت جولتها الأولى في 11 و12 آب/أغسطس الماضي بشكل سيئ نتيجة عزوف الناس عن المشاركة، إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة 14.23%، أصدرت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر برئاسة لاشين إبراهيم، نائب رئيس محكمة النقض، بيانا تعلن فيه قرارها إحالة جميع الناخبين المتخلفين عن التصويت في الانتخابات ويبلغ عددهم أكثر من 52 مليون شخص للنيابة العامة. وتبلغ غرامة التقاعس عن التصويت في الانتخابات 500 جنيه مصري بحد أقصى.

لقد أكدت نتائج الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ رؤية الممتنعين عن الذهاب لانتخاباته، حيث فازت القوائم الأربع التي تمت من خلال الأحزاب المؤيدة للنظام الحاكم، والتي خُصص لها 100 مقعد تمثل ثلث مقاعد المجلس، والتي لم تكن أمامها قوائم منافسة في أي من الدوائر الأربع التي شملت كل المحافظات، بما يشبه التعيين المقنّع. أما الانتخابات الفردية والتي خصص لها 100 مقعد تمثل ثلث مقاعد المجلس، فقد فاز بغالبية مقاعدها حزب مستقبل وطن، الذي تم تأسيسه ورعايته من المخابرات في مرحلة ما بعد تموز/يوليو 2013، بالإضافة إلى 100 مقعد يعينهم السيسي، ليصبح مجلسا حكوميا بامتياز، حاله كحال مجلس النواب.

ولأن الجميع يعلم أن التهديد بفرض غرامات على الممتنعين عن التصويت ليس الأول من نوعه، بل هو متكرر وهو دأب النظام، وأنه لم يتم من قبل تنفيذ هكذا تهديد لصعوبات إدارية، فالمتوقع هو عدم حسم الأمور الآن واستمرار السلطات في التهديد بفرض تلك الغرامة حتى تتم انتخابات البرلمان القادم، حتى تضمن قدرا من المشاركة الإجبارية من الفقراء وأصحاب المعاشات والعمالة غير المنتظمة، البالغ عددها حوالي 14 مليون شخص، لتستند إليهم في مزاعمها بوجود قبول شعبي للنظام، حيث إنها تدرك وعي الناس بأنه سيستمر اختيار أعضاء البرلمان القادم من الأجهزة السيادية، كما حدث مع البرلمان الحالي المستمر حتى كانون الثاني/يناير القادم. وسيستمر أداء البرلمان الجديد منفذا لما تطلبه منه الحكومة. ولهذا، لا بد من استمرار أجواء التهديد بالغرامة لضمان مشاركة أكبر عدد من البسطاء، خشية دفع الغرامة وليس اقتناعا بجدوى التصويت والمشاركة في العملية الانتخابية. فالناس قد أدركوا واقع هذا النظام برموزه وأدواته، ولا أحد منهم يعول كثيرا عليه، فالمعاناة تشتد على الناس يوما بعد يوم. والنظام يتعرى وتنكشف سوأته نتيجة تفريطه في مقدرات البلد بدءا من التفريط بمياه النيل ومرورا بالتفريط بجزيرتي تيران وصنافير وليس انتهاء بترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان والتنازل عن مساحات واسعة من مياه مصر الاقتصادية…

وإذا استطاع النظام أن يُحصّل تلك الغرامة المالية فقد يصل المبلغ المحصل إلى ما يقارب الـ25 مليار جنيه، وهو مبلغ كبير بالمقارنة بـ(الفكة) التي كان يريدها السيسي من الناس، أو بشعار (صبح على مصر بجنيه) الذي أطلقه السيسي في بدايات استيلائه على السلطة، وبرغم ذلك فلن تفلح تلك الأموال التي يحصلها النظام في وقف انحداره نحو الهاوية، فقد تلقى النظام من قبل مليارات الدولارات من دول الرز الخليجي، ومع ذلك ما زال الناس يعانون الفقر والحرمان في ظل هيمنة العسكر ورجال المال والأعمال على الثروة، فعلى مدار نحو ست سنوات، اتبع نظام السيسي إجراءات مؤلمة للفقراء ومتوسطي الدخل في الدولة التي يعيش أكثر من ثلثها تحت خط الفقر، حيث تعاقبت قرارات رفع الأسعار بشكل غير مسبوق لمختلف السلع والخدمات.

وبينما يعاني الناس الفقر وقلة ذات اليد، زادت الحكومة من تقديراتها لحجم الحصيلة الضريبية بقيمة 108 مليارات جنيه (6.6 مليار دولار أمريكي)، لترتفع من 857 مليار جنيه (نحو 53 مليار دولار) في موازنة 2019-2020، إلى 965 مليار جنيه (نحو 60 مليار دولار) في الموازنة الجديدة، وتلك الحصيلة تعادل نحو 75 في المئة من إيرادات الدولة. وقد أفرط السيسي في الاقتراض داخلياً وخارجياً، ما أدى إلى ارتفاع حجم الديون الخارجية المستحقة على مصر إلى نحو 112.67 مليار دولار بنهاية كانون الأول/ديسمبر 2019، تشكل 35% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما ارتفع إجمالي الدين العام المحلي بنهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي إلى 4.355 تريليون جنيه (ما يزيد عن 275 مليار دولار)، وبما يشكل ما يقارب 70% من الناتج المحلي الإجمالي، وأصبحت مدفوعات الفوائد الربوية عن الديون الداخلية والخارجية 566 مليار جنيه تلتهم ما يقارب 45% من الإيرادات العامة.

من هنا يمكن القول إن النظام بات مطمئنا لاستقرار وضعه ولم يعد يبالي بنقمة الناس عليه جراء الإجراءات الاقتصادية القاسية من زيادة الضرائب ورفع الأسعار والتلاعب بوزن رغيف الخبز، إذ يظن النظام أنه قادر على الاستمرار والبقاء طالما استطاع إحكام قبضته الأمنية وطالما أن أمريكا والغرب يدعمانه ويشجعانه على البطش والتنكيل بكل من يرفع الصوت عاليا، وطالما أنه يقدم نفسه باعتباره السيف الذي تبطش به في حربها المزعومة ضد ما تسميه الإرهاب!! لا يمكن لهكذا نظام أن يستمر وهو يسوق الناس سوقا لحتفهم، وما كان لأهل الكنانة أن يظلوا ساكنين خاضعين لا حراك لهم وهم يرون النظام سادرا في غيه، لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة، ولا يحسب لدينهم وشريعته أي حساب، يقوم بهدم بيوتهم ومساجدهم بحجة مخالفتها للقانون، ويضع يده بيد أعداء الأمة ويمنع العاملين المخلصين من أبنائها لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الإسلامية، وإعادة مصر لمكانتها في ظل حكم الإسلام، كنانة الله في أرضه والصخرة التي تحطمت عليها أطماع الكفار المستعمرين. وإن غدا لناظره قريب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

كتبه حامد عبد العزيز