مقالات فكري

ما عادت ورقة التوت تواري سوءات الخونة

بسم الله الرحمن الرحيم

تحية لأولئك الأبطال، أربع عمليات في غضون أسبوعين، أكثر من ألف مدجج بأحدث الأسلحة وكل الأجهزة الاستخباراتية، من شرطة وأمن واستخبارات وجيش، جابت شوارع يافا وتل أبيب المحتلتين، بحثاً عن منفذ العملية البطولية، التي أسفرت عن قتيلين وأربعة عشر جريحا، فهو فرد، نعم إنه فرد من هذه الأمة الأبية، يا من يشد الرحال صوب كيان يهود مطبعا ذليلا يمد يد الذل والعار لكيان مجرم، طمعا منه في أن يبقى على كرسيه المعوجة قوائمه بضع سنين، فردٌ من هذه الأمة الأبية، يا من طار إلى النقب ليجتمع مع القاتل ويصافح ويقبل يده الملطخة بدماء المسلمين في فلسطين، فردٌ واحد من هذه الأمة الأبية، يا من استضاف ورحب برئيس وزراء يهود في شرم الشيخ، فردٌ واحد من هذه الأمة الأبية، يا من يعود من زيارة سرية إلى كيان يهود إلا وعاد لمثلها، فردٌ واحد من هذه الأمة الأبية، يا من أدان وشجب واستنكر وندد بالعملية السابقة الشبيهة باللاحقة، بل يا من دعا بالشفاء للجرحى وعزى أسر الهلكى، كلكم في الخسة والدناءة سواء، ما عادت ورقة التوت تغطي سوءاتكم، فلست راغبا في بقائكم على ظهر الأرض، ولست طامعا في أن تستيقظ مشاعركم، لأن الميت لا يستيقظ إلا بالنفخ في الصور، ولكن أملي بعد الله في هذه الأمة، أن تكسر القيد وتلقي السلاسل والأغلال التي كبلها بها المستعمر، وتنفي عن نفسها خبث الأمم المتحدة وهيئاتها الدولية، فقد بان عوارها لكل ذي لب. ها هي بريطانيا تدعو رعاياها للقتال في أوكرانيا وهي التي تبرأت من رعاياها الذين سافروا إلى سوريا وأفغانستان وسلبتهم جنسيتها! وها هي أمريكا تمد أوكرانيا بالسلاح والمال وهي التي دمرت العراق على أساس كذبة! وقنابل روسيا وصواريخها التي تدمر سوريا، لا تحرك ساكنا ولا ترقى لحث الضمير العالمي لوقف قتل الأطفال والمدنيين الأبرياء، ولكنها هي هي القنابل والصواريخ الروسية في أوكرانيا، كافية لعزل روسيا عن المجتمع الدولي وترقى لجرائم حرب! والرسوم المسيئة لأشرف خلق الله سيدنا محمد ﷺ، لا تتعدى كونها حرية تعبير، ولكن رسوماً كاريكاتيرية تصف واقع أوروبا كافية لاستدعاء سفير روسيا في فرنسا وإخباره باستنكار فرنسا لمثل هكذا سلوك ورفضه وطلب الاعتذار عنه! وإبادة المسلمين الروهينجا وتهجيرهم من بلادهم على أيدي البوذيين، وكذا المسلمون الإيغور، كل هذا ومثله معه يا أمة الإسلام، كافٍ لتقولي بملء فيك: كفى… قد زاد الكيل وطفح.

إن الناظر للعالم اليوم بعين البصيرة، وقد هيمنت عليه الرأسمالية الجشعة، التي لا تقيم للإنسان وزنا وخاصة المسلم، يعلم يقينا الخطر الداهم والسقوط الوشيك الذي ينتظر العالم، ووجوب دفع هذا الخطر عن البشرية، فمن لهذه المهمة الصعبة؟ وبأي نظام يمكن ذلك؟ وكيف الطريق إليه؟

لهذه المهمة ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاًرجال استناروا بنور الهدى الذي أضاء الدنيا قبل أربعة عشر قرنا، كان العالم يومها شبيها بعالم اليوم، تسيطر عليه قوتان (الروم والفرس) والعرب في الهامش قبائل متناحرة تعبد آلهة متعددة، لكل قبيلة إله أو آلهة، يأكل القوي منها الضعيف، وتئد البنات وتورث النساء كما الأموال، في هذه البيئة الجاهلية، اختار الله من سيوحي إليه واصطفاه من قريش في مكة، يتيماً لم يكن رجلاً من القريتين عظيم، على زعمهم لكنه عند الله أعظم العظماء، أوحى إليه النور المبين، كتاباً ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، ﴿مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ في أقل من ربع قرن غيّر مجرى التاريخ، أخرج العالم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، أزال من الوجود القوتين العظيمتين، الفرس والروم، فأنار الدنيا وانتشر الإسلام، لم تقو القوى الموجودة حينها على منع الفتوحات وانتشار الإسلام، لم يفتح الغزاة بلدا لنهب ثرواته أو لاستعباد أهله، كما هو الحال في الاستعمار الرأسمالي، الذي نهب ثروات الشعوب وما زال ينهب، تارة بالقوات العسكرية وتارة بالهيئات الأممية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة…الخ

وما دخل الاستعمار الرأسمالي بلدا إلا أفقره وأذل أهله، وما أنشئت الأمم المتحدة إلا لمحاربة الإسلام ودولته، لم يصدر من الأمم المتحدة ومجلس أمنها قرار واحد لمصلحة الإسلام والمسلمين، واهمٌ من يرجو من الأمم المتحدة إنصاف المسلمين أو حتى مهادنة الإسلام، فهي في حرب ضروس مع الإسلام، اللجوء إلى هكذا منظمات مضيعة للزمن فوق كونه مضيعة للحقوق، فقد بدا ذلك كالشمس في رابعة النهار، والمسلمون بعد هدم دولة الخلافة صاروا كالشاة بين الذئاب، على أيدي من كتبت عليهم الذلة والمسكنة، الذين باءوا بغضب من الله، ومن يواليهم من العملاء الخونة، حكام التطبيع الذين يسهرون لحماية أمن كيانهم المسخ، بالتنسيق الأمني، بلا حياء! «إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»، حتى ورق التوت قد سئم من تغطية سوءاتهم، فبدوا حفاة عراة من كل ما يمت إلى الأمة بصلة. إلا أن في هذه الأمة خاصية لم تكن لغيرها من الأمم، إنها خير أمة أخرجت للناس، تضعف ولكنها لن تموت. في أشد ضعفها تنهض كالمارد فتعيد ما سلب منها في قرون في زمن وجيز، هكذا عوّدتنا مدى التاريخ. الصليبيون أقاموا ممالك لهم دامت قرنين من الزمان، استولوا فيها على القدس، أصبحوا ما بين ليلة وضحاها أثرا بعد عين. المغول والتتار بعد أن أجروا الدماء أنهارا، ما بين ليلة وضحاها أصبحوا غزاة فاتحين ناشرين للإسلام. سل الزمان من بدايته إلى الآن، هل رأت عيناك منتصرا يعتنق مبدأ المهزوم؟! ويصبح له ناشرا؟! وهل رأت عيناك يا زمان شعبا اعتنق الإسلام ثم ارتد عنه؟!

فتعسا لحكام التطبيع الخونة فقد باءت صفقتكم بالفشل، فرد واحد من هذه الأمة الأبية قد أقض مضاجعكم، فما بالكم بالملايين من شباب حملة الدعوة الذين يسعون لاستئناف الحياة الإسلامية! فيا قادات جيوش المسلمين، إن الفرصة سانحة لكم لتنالوا أجر خمسين من الصحابة، بإعطائكم النصرة لحزب التحرير فينصركم الله، بنصركم الإسلام، فانفضوا أيديكم من الخونة الذين سئمت أوراق التوت من تغطية سوءاتهم، ولكم الجنة بإذن الله.

أما النظام الذي سينقذ البشرية فهو الإسلام الذي تعتنقونه وتؤمنون به وهو النظام الوحيد الذي ينقذ العالم ويعيد للإنسان كرامته التي أكرمه الله بها، إذ يقول في محكم تنزيله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً، ولم أقل بدعا من القول ولا افتراءً. ألم يغير الإسلام العالم من أسوأ إلى أحسن؟! من عمر بن الخطاب قبل الإسلام؟! ومن عكرمة بن أبي جهل قبل الإسلام؟! ومن عمرو بن العاص قبل الإسلام؟! ومن… ومن… ومن؟! من الصحابة رضوان الله عليهم قبل الإسلام؟! من المهاجرون قبل الإسلام؟! من الأنصار قبل الإسلام؟ من العرب قبل الإسلام؟! من الإنسان من غير الإسلام؟!... أماكرون أم بايدن أم بوتين؟!

فالإسلام الإسلام يا أمة الإسلام، ولا خير فينا بغير الإسلام، ولا يستقيم الإنسان إلا بالإسلام، كفى خذلانا لهؤلاء الفتية الذين يضحون بحياتهم، لأجل أن يعيشوا كغيرهم على أرضهم عيشة كريمة وحرة، كفى خذلانا لهؤلاء الفتية الذين يدافعون عن مقدساتنا وأولى قبلتينا…

أيتها الجيوش الرابضة في ثكناتها، ألم يأن لكم أن تخشع قلوبكم وتقشعر جلودكم لما ترونه في شاشات التلفاز صباح مساء، فردٌ واحد من هذه الأمة الأبية، يحرَّك ضده ألف جندي مدجج بالسلاح من شرطة وأمن وجيش واستخبارات، بعتاد قل أن يوجد مثله في كثير من جيوش المنطقة، فرد واحد ولكنه أمة، فيا خيبة من هرول للتطبيع، فمن هرولت إليه لم تغن عنه قوته شيئا! فهل تغني عنك؟! ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.

أما عن الطريقة فهي طريقة النبي ﷺ؛ صراع فكري وكفاح سياسي، وصولا لطلب النصرة، وها هو حزب التحرير قد قطع المراحل كلها، بعد أن استنبط باجتهاد صحيح من الكتاب والسنة ما يبلّغه لغايته التي هي استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة، مسترشدا بسيرة ﷺ، محددا القضية المصيرية التي يتخذ حيالها إجراء الموت أو الحياة، مقتديا بالنبي ﷺ: «لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ»، ويعمل في الأمة ومعها لتحمل معه هذه الأمانة الثقيلة التي كلفت بها، إذ لا نبي بعد النبي ﷺ، كما قال: «كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّه لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ، قالوا: فَما تَأْمُرُنَا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ، فَالأوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ»، فلا يصدنك أخي المسلم عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية صادٌّ، خاصة بعد أن بان للعيان فساد كل الأنظمة وتكالب كل الأمم على أمة الإسلام، تكالب الأكلة على قصعتها، وخيانة كل الحكام في بلاد المسلمين لله ولرسوله وللمؤمنين، ومحاربتهم للإسلام جهارا نهارا بعد أن تساقطت عنهم كل أوراق التوت التي كانت تغطي سوءاتهم، فلا ماء وجههم صانوا ولا على حاضنتهم حافظوا، فاستحقوا بذلك صفة شر الأئمة الذين تلعنهم الأمة ويلعنونها، متواطئون مع أعدائها، لا تحركهم استغاثة حرة، ولا يدمع أعينهم تجويع يتيم، ولا يمنعهم الحياء من الشجب والإدانة والتنديد لمن يوجهون الضربات المؤلمة ليهود، حسبنا الله ونعم الوكيل.

كتبه صادق التيجاني