مقالات اقتصادي

السيسي: دعوة لحوار وطني برعايته لاستيعاب النقمة التي تزداد عليه والحل لا يكون إلا بخلافة راشدة… فليكن أهل القوة في مصر أهل نصرة لدينهم

يعاني الاقتصاد المصري أزمة اقتصادية متراكمة خانقة زادت شدَّتها مؤخَّرًا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية (ارتفاع سعر القمح، وارتفاع أسعار الشحن وكذلك النفط بسبب العقوبات الغربية على روسيا، وارتفاع أسعار الأعلاف للدواجن والماشية والأسمدة بسبب تعطل توريدها من روسيا والاستعاضة عنها بتوريدها من أوروبا وما اقتضاه ذلك من ارتفاع تكاليف التوريد بسبب ارتفاع أسعار الغاز…) وهذا كله فاقم الأوضاع المعيشية للمصريين وزادها شدة، وهو يضاف إليه ما تتبعه الحكومات من سياسات اقتصادية فاشلة، ومن لجوئها إلى الاقتراض الربوي من الخارج والذي تعجز عن إيفائه لتصبح رهينة دفع فوائده دون أصوله، وهذا ما يجعل هذا الربا يتضاعف وتتضاعف معه مشاكله من انخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية لدى الناس… ويضاف إليه كذلك فساد أهل الحكم (رشى وسمسرات وهدر وسرقات) ومعلوم عند الناس أن المسؤولين ينهبون قسمًا من القروض الربوية ثم يتركون للدولة أن تسدِّدها. وهذه القروض تأكل ما يزيد عن نصف إيرادات الدولة من الضرائب، وهذا ما يجعل الدولة في حال من العجز المتراكم. والذي يضاعف المشكلة أكثر هو الركون والخضوع لشروط صندوق النقد الدولي! والتي دائمًا ما تكون مصائب على الناس… هذا الواقع الاقتصادي الشديد والذي يحمِّل الناس في مصر أهل الحكم مسؤوليته جعل قيادات الأمن الوطني، أحد أذرع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأمنية يستشعرون الخطر ويحذرونه من وجود حالة احتقان شديدة لدى الناس، وينذرونه من عواقب فلتان أمني وانفجار شعبي خطير، وينصحونه بأنه يجب التعامل مع ذلك بجدية كبيرة…

في إطار كل ذلك، تم توجيه دعوة من السيسي في 26/04/2022م، وخلال إفطار الأسرة المصرية السنوي، لعقد حوار وطني دعا فيه كافة القوى السياسية للمشاركة فيه لتدارس هذه الأوضاع ومعالجتها. ومما يذكر أن هذه الدعوة تمت بعيدًا عن علم الوزارات المختصة، فلم تعلم بها مسبقًا ولم يطلب منها تجهيز تصوراتها للحوار ولا للحلول ولا للمشاركين المحتملين؛ ما يعني أنها رتب لها من قبل أجهزة المخابرات: تجهيزًا ومشاركةً وأجندةَ عملٍ وأهدافًا، ويعني أنها لا تعدو كونها حركة دعائية بعيدة عن الجدية كل البعد… بيد أن الناس لا يصدقونه، فهو ينادي بالحوار مع القوى السياسية كافة من دون «تمييز ولا استثناء» ومعلوم أن القوى التي تعارضه إما في السجن وإما هاربة في الخارج، إذًا المدعوون سيكونون حصرًا من زبانيته… وهو قام يستشهد، وبشكل تمثيلي متصنَّع، بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لإقناع الناس بقوله إن: «النبي حوصر في شعب أبي طالب مع صحابته ثلاثة أعوام، وقُطع عنهم الطعام والشراب لدرجة أنهم أكلوا ورق الشجر» وأضاف: «محدش من الصحابة قال له: والنبي قول للملائكة تجبلنا ناكل، ولا المياه تتفجر من تحتنا، وربنا قادر يقول كن فيكون؛ لأن إحنا مش كدة»… بينما هو بنفسه يأمر بهدم المساجد بحجة أنها مخالفة للقانون، ويمنع وزيرُ أوقافه المسلمين في رمضان من صلاة التراويح والاعتكاف في المساجد، ونراه يتبنى، من أجل حل الأزمة الاقتصادية والمعيشية في مصر نظرة الغرب وينافر حكم الإسلام بقوله: إن «حجم النمو الاقتصادي في مصر لم يكافئ معدلات النمو السكاني؛ لذلك سعينا إلى تقليص الفجوة بين نمو الدولة والنمو السكاني. وإذا لم نعمل على ضبط النمو السكاني فلن نشعر بأي تحسن اقتصادي»… إن هذه الدعوة للحوار من السيسي هي دعوة هزلية، من رئيس هزلي بامتياز، غرضها احتواء النقمة عليه وليس الحل… وبالفعل فإن ما استشعر به قادة الأجهزة الأمنية كان في محله، فقد دشَّن مصريون هاشتاج (العيد-ثورة) على تويتر ليصبح الأعلى تداولًا؛ وذلك رفضًا لقرارات وزير الأوقاف التي كانت تضع ضوابط لإقامة صلاة عيد الفطر المبارك من جعل تكبيرات صلاة عيد الفطر فقط لمدة سبعة دقائق، وحصر إقامتها في المساجد الكبرى والجامعة التي تقام فيها صلاة الجمعة؛ وعليه فإن السيسي وأجهزته الأمنية يعيشون في أجواء تجدد الثورة عليه، والمسألة مسألة وقت عند الجميع… هذا هو واقع دعوة السيسي إلى الحوار، فما هو حكم الشرع فيها؟

بداية نقول: إن الحاجة باتت ماسَّة لمواجهة هذه الأوضاع بشكل صحيح، وإن قيام الناس بأعمال احتجاجية والانتفاض على ظلم السيسي ونظامه وأجهزته بات يؤتي ثمارًا عجافًا نظرًا لأن الأجهزة الأمنية في مصر لها باع طويل في الدخول على الخط، والقتل والسرقة والاعتداء على الناس باسم الثورة، وزرع الجماعات العميلة بينهم، وإصدار الفتاوى الهجينة عبر علماء رخيصين، وإبراز شخصيات من أتباعهم ليتصدروا المشهد، وما فعله من مجزرة رابعة والنهضة يمكنه بكل سهولة أن يعيد مآسيه من غير أي رادع يردعه… وعليه، لا بد من إيجاد عمل إسلامي منظم واعٍ ومخلص، يستطيع أن ينقل الناس من ضيق ما هم عليه إلى رحاب دينهم الذي لا خلاص إلا به. لقد آن الأوان لأن يقوم المسلمون في مصر بما يرضي الله بإقامة شرعه، والموضوع ليس موضوع حوار فإن طرحه كله خبث وإطالة لعمر النظام، وليس هو إطلاق معتقلين… فمن أسهل ما يمكن للنظام أن يطلق المعتقلين اليوم، ثم وبعد أن تنتهي مسرحيته يعود ليعتقل بدلًا عنهم أضعافًا.

 لا شك أن الأزمة المعيشية شديدة وكبيرة للغاية، وناتجة عن سياسة اقتصادية مدمرة اتبعتها الدولة خلال عقود بتوجيهات أمريكية لضمان تركيع الشعب المصري. ومما يجدر ذكره هنا، أن سياسة التضييق المعيشي على الناس هي سياسة أمريكية عالمية ثابتة تؤدي إلى رهن مقدرات الدول في العالم لمصلحتها، وشلِّ أي تنمية مستدامة في تلك الدول. والنظام المصري مثله مثل سائر الأنظمة الفاسدة في بلاد المسلمين، تقوم سياسته الاقتصادية على الاقتصاد الطفيلي، وعلى الاستيراد الواسع من الخارج، وعلى الاقتراض الربوي الخارجي الذي يمحق كل تنمية؛ وهذا ما يجعل أية محاولة من النظام للمعالجة عقيمة، ما دامت خاضعة لهذا الأخطبوط من النظام العالمي الرأسمالي المتوحش. فالمعالجة الجادة لا تكون بمثل هذه المؤتمرات الهزلية، بل تكون جذرية تبدأ بتغيير النظام وانعتاقه عن النظام الرأسمالي، وتمتد إلى تغيير الحكام الفاسدين. أما أن يأتي الحل من خلال هذا النظام وهذه المنظومة فأمر هو في غاية السذاجة. فهل يصدق أحد أن العلاج يمكن أن يأتي عن طريق هذه الزمرة السياسية الحاكمة الفاسدة، ومعها مثل هذه الأجهزة الأمنية القمعية، أو عن طريق نظام حكم يخضع لنظام دولي كافر تقوم كل سياسته على الاستعمار، ويأخذ على عاتقه محاربة المسلمين في دينهم، ومنعهم من العيش في رحاب حكمه. وكلنا يرى تلك الحرب الشعواء على المسلمين في كل مكان، والتي يتولَّى السيسي ونظامه كبرها في مصر… والذي يؤكد حقيقة موقف السيسي وأنه يقف في المقلب الآخر، كان في دعوته لأصدقائه اليهود كي يتوسطوا له لدى المجتمع الدولي لمساعدته في الخروج من هذا المأزق الخطير، وقد لبُّوا دعوته محذرين من أنه لا يمكن التخلي عن وجوده معهم في حربهم على الإسلام. وكذلك هبَّ حكام الخليج البائسين لإنقاذه بالقروض والهبات والودائع؛ ولكن سبق السيف العذل.

إن كل ما يقدَّم للسيسي من دعم خارجي إنما هي مسكنات… ولا ينقذ أهل مصر إلا نظام حكم صالح وحاكم صالح يرعاهم ويكون لهم جُنَّة، ويكون أولى بهم من أنفسهم… إن هذه الأزمة الطاحنة يجب أن تكون فرصة للمخلصين من هذه الأمة في مصر ليوجهوا البوصلة توجيهًا صحيحًا نحو دينهم ليكون الخلاص به مما هم فيه. إن المطلوب اليوم لإنقاذ المسلمين، ليس في مصر فحسب بل في العالم الإسلامي كله هو إقامة كيان جامع للمسلمين، وليبدأ أول ما يبدأ في مصر، ولتكن مصر أرض نصرة دين الله في هذا الزمان.

نعم، إن المسلمين يحتاجون اليوم إلى من يقيم فيهم حكمًا إسلاميًّا رشيدًا، ولعلَّ مصر في هذا الأمر متقدمة على غيرها من بلاد المسلمين باعتبار أن الإسلاميين قد وصلوا فيها إلى الحكم إبَّان الثورة؛ ولكن كان من الأخطاء القاتلة التي لم تمكِّنهم من تثبيت الحكم بين أيديهم أنهم لم يقطعوا الصلة مع الحرس القديم في الداخل؛ ولم يعوا مدى تغلغل وتشلُّش الأجهزة الأمنية في مفاصل الدولة، والذي كان واسعًا، والذي كان لا بد من إدراك مدى عمقه ليقطع دابره… ولأنهم قبلوا أن يتعاملوا مع الخارج بحسب القانون الدولي والاتفاقات الدولية المبرمة لمصلحة الدول الكبرى والتي يحرمها الإسلام؛ ولأن تصورهم للحكم لم يرقَ إلى مستوى إقامة خلافة راشدة… إن مصر بحاجة لمن يعرف كيف يقيم حكم الله فيها على سوقه، ويكون خلافة راشدة يبدَّل فيها الحكم غير الحكم القائم تبديلًا يزيل كل أثر، ويقطع كل صلة بالماضي الذي كان من صنع الغرب.

أيها المسلمون في مصر، أرض الكنانة، أرض نصرة دين الله:

 إن موضوع التغيير في مصر يجب أن تكون خطواته شرعية، وتسير على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم في التغيير، وقد تحقق منها الكثير: فالمسلمون عامة في مصر يريدون الحكم بما أنزل الله، ويريدون أن تقوم فيهم خلافة راشدة على منهاج النبوة وهذا أمر لا يخالف فيه حتى أعداء الأمة، وما مليونية تحكيم الشريعة عنا ببعيد… هناك جماعة صادقة، هو حزب التحرير، تقوم دعوته على إقامة الخلافة الراشدة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها تكون في آخر الزمان بقوله: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوَّة»، وقد وضع نصب عينيه إقامة بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تمامًا كما كانت زمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين. وهو قد هيَّأ نفسه لهذا الفرض العظيم، وله باعٌ طويل في الدعوة ومراسٌ قويٌّ وصبرٌ يُشهد له، وتمسُّكٌ بأحكام الدين من غير حيد عنها، وعنده معرفة بدسائس الدول الكبرى وخدائع الحكام ومؤامرات الأجهزة الأمنية بحيث يؤمن طريق الوصول بحسن التخطيط وحسن التوكل على الله … وهو استطاع أن يُعدَّ شبابه على ما أعدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم عليه صحابته الكرام في مكة من القدرة على إقامة الأمر على يديه. وهو قد أعدَّ دستورًا إسلاميًّا يتم الحكم به بالإسلام حصرًا من غير أدنى تأثر بالثقافة الغربية أو بالقوانين الوضعية، وهذا الدستور قد تبلورت أحكامه عبر سنوات طويلة من المتابعة والتنقيح حتى وصل إلى درجة أن يكون دستور دولة إسلامية عالمية تعالج أحكامه مشاكل العصر معالجة ترفع عنهم ظلم وفساد أنظمة حكم الدول الرأسمالية الاستعمارية.

هذا الحزب الذي يسير بحسب طريقة رسول الله لإقامة دولة الإسلام، بقي أمامه أمر واحد لم يكتمل حتى الآن، وهو كسب أهل نصرة من أهل القوة والإيمان في هذا الزمان لإقامة الخلافة بهم، فهو يطلبها كما طلبها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يسعى جادًّا لأن يكون له أنصار كما كان للرسول صلى الله عليه وسلم أنصار، يسعى وبشكل منضبط لكي يؤتي ثماره ولا يكون فوضى، وهو يتوكل على الله سبحانه ويستمد العون منه وحده بأن يفتح له قلوب قوم مؤمنين، من الذين لا يرضيهم ما يحدث للمسلمين، ولا يرضيهم أن يكون الحكم لغير الله… فمن منا لم يسمع بالأنصار في القرآن الكريم، والذين وصفهم الله مع المهاجرين بأنهم هم المؤمنون حقَّا؟!… ومن منا لم يطلع على ما ورد في السيرة النبوية من عاطر الأخبار عنهم؟!.

نعم، إن الحزب يطلب النصرة، أسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم، من ضباط الجيش المؤمنين المخلصين باعتبارهم أهل قوة ونصرة، هؤلاء الذين يكتوون كما يكتوي الناس من ظلم النظام وفساده، ويؤلمهم ما يؤلم الناس من بُعد عن تحكيم شرع الله… يدعوهم ليكونوا أنصار الله في هذا الزمان… وهؤلاء عليهم أن يفتشوا عن الحزب كما هو يفتش عنهم؛ لأنه كما هو واجب على الحزب أن يفتش عنهم تقيدًّا بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك فإن الواجب على كل ضابط في الجيش أن يكون نصيرًا للدين وليس للسيسي، وأن يفتش عمن يكون معه من زملائه الضباط ليقوم بهم عمل مخلص لله ولرسوله منظَّم، وليستحق في آخر الزمان أن يطلق عليه أنه من أنصار الله، وعلى سيرة سعد بن معاذ وأسعد بن زرارة وأسيد بن حضير، رضي الله عنهم وأرضاهم… ولله درُّ هؤلاء متى وجدوا، فإن منزلتهم عند الله، في الدنيا والآخرة، ستكون كمنزلة سابقيهم من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتراجع كتب السيرة النبوية لمعرفة عظيم هذه المنزلة. إن الخلافة الرشدة على منهاج النبوة ستقوم بإذن الله تعالى لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: عن حذيفة بن اليمان: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ سَكَتَ». مسند أحمد. وهذا هو أوان بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلتكن مصر هي أرض نصرتها وإقامتها. والله سبحانه من وراء القصد.