بيَّن الإسلام حقيقة الخلافة بياناً تامَّاً، وحدد طريقة إقامتها في واقع الحياة تحديداً بيِّناً، فصاحب السيرة العطرة (saws) هو الَّذي عبَّد الطريق العمليِّ الموصل لإقامتها، وهو (saws) الَّذي أقام الدولة الإسلاميَّة الأولى وأرسى دعائمها وأركانها وجلَّى أحكامها وحدد شروطها، وجعلها وطريقة إقامتها معلماً ثابتاً إلى يوم الدين، وقد توعَّد الله تعالى المخالفين عن أمره بقوله عزَّ وجل: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
وعليه، فاتباع طريقة الرسول (saws) في إقامة الخلافة أمرٌ تكليفيٌّ وحكمٌ شرعيٌّ، فهي واجبة الاتباع لأنَّها محل أسوة، وجزءٌ من أحكام الإسلام، ولا يحلُّ لجماعة من المسلمين التنكب عن جادتها تحت أي طريقة عقليَّة، فالعقل محكوم بخطاب الشارع الحكيم لا حاكماً عليه، وإلا لاختلفت الطرق على المسلمين باختلاف العقول والأهواء، ولتبدَّلت معه طرائق السير نحوها بتبدّل العصور والرؤى، ولعادت عقولهم عليهم بالضلال والشقاء.
وقد تعرَّض الرسول (saws) في طريقه لإقامة الدولة إلى محاولات كثيرة لحرفه عن مساره القويم من قبل الحكام في مكة وخارجها. ففي مكة ساومه كفار قريش على دعوته بالملك، وعرضوا عليه حكماً توافقياً يتبادلون معه الآلهة بالعبادة، فرفض التنازل عن مبدئه رفضاً قاطعاً، وفي خارج مكة اشترطت إحدى القبائل لنصرته، الرئاسة من بعده، فرفض قائلاً: «إنَّ الأمر لله يضعه حيث يشاء»، وعرضت أخرى عليه حكماً منقوصاً، فرفض قائلاً: «إنَّ هذا الأمر لا يصلح له إلا من أحاطه من جميع جوانبه».
وظلَّ (saws) ماضياً في طريقه مستقيماً بوحي ربِّه، صادعاً بالحق المنزل إليه متوكِّلاً على الله متذرِّعاً بالصبر، محتسباً عمله الدؤوب لتكوين الرأي العام لفكرته، وإيجاد القوة الناصرة لدعوته، دون أن يستعمل سلاحاً ماديَّاً لتحقيقها، أو يحيد عن طريقه الشرعيّ المرسوم له إلى قوةٍ غير إسلاميَّة محليَّة أو إقليميَّة أو دوليَّة حتى بلغ غايته وأقام دولته، وتركنا بعده على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
والآن، وقد دارت السنون والأيام، وانفصل السلطان عن القرآن، وعاد مجتمعنا بعلاقاته الجديدة مجتمعاً غير إسلامي، فقد هدم الكافر المستعمر الخلافة منذ عقود، وجعلها دولاً متفرِّقة، تستند في سلطاتها إلى عقيدته الباطلة، وترزح تحت وطأة جوره وجور حكامه؛ فقُطعت معهم حياتنا الإسلاميَّة وتوقَّفت مسيرتنا العالميَّة.
وكان أن قصَّر حينها المسلمون عن مجابهة من أظهر في ديارهم الكفر البواح بهدمها، وانقطع حكم الإسلام في البلاد من يومها، فبات حالنا كحال الرسول (saws) وصحابته في مكة قبل الهجرة، وعدنا من حيث بدأنا، عدنا ملزمين بالسير على نفس طريقته، ولتحقيق نفس غايته. عدنا للسير على طريقته لإقامة الخلافة من جديد، ولنحقق نفس غايته الأولى؛ لنستأنف ما انقطع من حياتنا الإسلاميَّة ونصل ما توقَّف من مسيرتنا العالميَّة، فما أشبه اليوم بالبارحة.
هذا هو واجب الأمَّة اليوم، فهي المخاطبة بالإسلام، وعليها تقع مسؤوليَّة حفظه وتطبيقه، وهي لذلك صاحبة السلطان، وعن طريقها فقط يتم الوصول إلى الحكم أو الخلافة. ونظراً لتخلُّف الأمَّة في الآونة الأخيرة عن مكانتها المرموقة بين الأمم، وتراجع دولتها عن مركزها القيادي في العالم، لطروء عوامل ضعف داخليَّة وخارجيَّة عديدة، فقد شتَّ العقل وقلَّ البصر بالإسلام لدى الكثير من الحركات الإسلاميَّة عن الطريقة الإسلاميَّة الوحيدة لإقامة الخلافة، فكانوا طرائق قددا، وظلَّ سيرهم بعيداً عنها يراوح مكانه بلا تغيير أو تقدُّم.
كما قد تكاثرت رؤى المسلمين ومواصفات الدول لديهم حداً مستهجناً في الأمَّة الشهيدة على الأمم، فقد أساؤوا في رؤاهم إلى درجة استبدال شرع الله تعالى، كمن يستبدل بتحرير فلسطين المفاوضة أو المقاومة، كما أساؤوا في مواصفات الدولة التي يريدونها إلى درجة أن تجد لديهم دولاً لا تزال تستند إلى إدارة عدوها الكافر المستعمر، كما تجد دويلات تستند إلى حكومة تخضع لسطوة أذل الخلق يهود كالسلطة الفلسطينيَّة أو سلطة غزَّة، كما أنَّك تجد كتائب تقاتل مغتصب سلطة الأمَّة بالشام وتغتصب هي ذات سلطتها وتدَّعي أنَّها أقامت خلافة الإسلام للأمَّة وهي تقطع رؤوس أبنائها، وأخرى تجعل من تنظيمها العسكريّ إمارةً سياسيَّة في مجاهل الصحراء. وتجد آخرين يسعون إلى إقامة دولة الخلافة داخل نفوس أصحابها متوهِّمين أنهم إن فعلوا ذلك أقاموها في واقع الحياة!! وهكذا حتى أصبحنا أضيع من الأيتام على مائدة اللئام.
وكان المؤمَّل من الحركات الإسلامية بعدما عسعس ليلها وقارب أن يتنفس صبحها، بعد حالة الحراك الواعدة التي اشتدت في ثورات بلادها؛ كان المؤمل أن تتدارك ما فاتها وأن تبصر قضيتها الرئيسيَّة وتستكمل وعيها على طريقة رسولها لإقامة دولة الخلافة بصورة سريعة لافتة للنظر؛ خاصة وأنَّ القرآن العظيم لا يزال يتلى غضاً طرياً بين أظهرها، والكافر المستعمر ينكِّل بأبنائها، وينكشف معه فساد أحوالها وفداحة أخطائها وعقم مناهجها… الأمر الذي يقتضيها أن تنكبَّ على إسلامها بالدراسة والتدقيق والتمحيص لتلتقط طوق النجاة الذي يخلِّص الأمَّة الإسلاميَّة من القبضة الغربيَّة المستحكمة، ويعيد لها خلافتها الموعودة، وفردوس حياتها الإسلاميَّة المفقودة… فتستجمع قواها وتنهض من وهدتها وتبلور مشروعها وتتولى زمام أمرها وتستنقذ أمَّتها، بل والعالم من حولها.
وأستغرب كثيرا، كيف لم تهتد تلك الحركات إلى طوق نجاتها بعد؟!، كيف لم تهتد إلى طريقة إقامة خلافتها الشرعيَّة المحددة والتي انتهجها رسولهم العظيم من قبل؟! وهي تعلم يقيناً أنَّ من أراد أن يقوم بالصلاة؛ فإنَّ عليه أن يدرس أدلة الصلاة وأحكامها، وأنَّ من أراد أن يجاهد فعليه أن يدرس أدلة وأحكام الجهاد، وأنَّ من أراد أن يتاجر فعليه أن يدرس أدلة البيوع والشركات والإجارة وكل ما يلزمه من الإسلام لتجارته… وكذلك الشأن مع الجماعة التي تريد إقامة الخلافة. كما وتعلم يقيناً أنَّ الصلاة لا تؤدى إلا بكامل مقوِّماتها الشرعيَّة التي قرَّرتها الأدلة الشرعيَّة من أقوالٍ وأفعالٍ وهيئاتٍ مخصوصة؛ وكذلك الشأن مع إقامة الخلافة. كما وتعلم يقيناً أنَّ تقصُّد الإخلال بأحد أركان العمل موجبٌ للفشل ومحبطٌ للأجر، كحال ذلك الأعرابيّ الذي صلَّى أمام النبيّ وأساء في صلاته فقال له رسول الله (saws): «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ» فكان حكم المسيء صلاته كحكم غير المصلِّي سواءً بسواء؛ لأنَّ المسيء لم يوقع صلاته على الوجه الشرعيّ المطلوب، فكان فعله كالمعدوم،لم يقع ولم يترتَّب عليه أثر؛ وكذلك المسيء في إقامة الخلافة.
وإذا تتبعنا ما قرَّره الرسول (saws) في دولة الإسلام الأولى التي أقامها في المدينة بوصفه الرسول الأسوة، نلحظ ما يلي:
1- جعل الرسول (saws) سلطان دولته سلطاناً ذاتيَّاً يستند إلى قوة المسلمين من قبيلتيّ الأوس والخزرج المالكتين لزمام الأمور في المدينة مقر دولته، وذلك ظاهرٌ من اشتراطه عليهما في بيعة العقبة الثانيَّة، أن يُخرجا من بينهما اثني عشر نقيباً منهم، ليكونوا عليهم وعلى من وراءهم من أهل المدينة كفلاء؛ ليضمن رضاهم وعدم منازعة أحدٍ من أهل البلاد للدولة الجديدة، واشترطوا من جهتهم عليه القدوم إلى المدينة. وبذلك ضمن الرسول (saws) تحقيق السلطان الذاتي لدولته واجتماع الكلمة له بها بلا منازع.
2- جعل الرسول (saws) أمان دولته بأمان المسلمين أنفسهم، فبقوة المسلمين العسكريَّة وحدها تحققت حماية الدولة والأمَّة من المعتدين، أي تحقق فيها الأمن الداخليَّ والخارجي، وطبيعيٌّ أنَّ الأمان الذاتيَّ يتحقق بالسلطان الذاتي. فبعد أن حقق الرسول السلطان الذاتيَّ ببيعة العقبة الثانيَّة قال لأصحابه: «قد جعل الله لكم دار هجرةٍ تأمنون فيها» وفعلاً فقد تحقق الأمان الذاتي بالهجرة للرسول وللمهاجرين، وظهر ذلك بحفاوة الاستقبال الجماهيري، وإذعان عبد الله بن أُبي ومشركي ويهود المدينة لسلطان الإسلام.
3- باشر الرسول (saws) تطبيق الإسلام في دولته الناشئة تطبيقاً كاملاً وفوريَّاً من ساعة دخوله المدينة المنوَّرة. إذ بنى المسجد ليكون دار عبادةٍ ودار حكم، وأعلن الدستور للنَّاس ليحدد علاقاتهم وليبيِّن لهم حقيقة دولتهم وأنظمتهم التي يحكمون بها، وآخى بين المهاجرين والأنصار ليحقِّق الأخوَّة العمليَّة بين المسلمين والتوازن الاقتصاديّ في مجتمعهم… وبذلك باشر الرسول (saws) الحكم كاملاً من خلال أجهزةٍ ومؤسساتٍ مستقرةٍ تقوم بمهمة إدارة البلاد ورعاية الشؤون في جميع جوانب الحياة، كما هو الشأن في الدولة بوصفها كياناً تنفيذيَّاً كاملاً.
4- عقد الرسول (saws) مع الأنصار عقداً أقام بموجبه الدولة الإسلاميَّة في المدينة، عقد معهم عقد الخلافة بكامل أركان العقد وشروطه الشرعيَّة؛ فكان عقداً صحيحاً منتجاً أي مبرئاً ومترتِّباً عليه آثاره الشرعيَّة. ووجود المتعاقدين بأوصافهما الشرعيَّة أول أركان العقد الشرعي الذي يجسِّد رضا طرفيْ العقد المخوَّليْن بإبرامه؛ فالأمَّة اليوم أو من يجسِّد رضاها المعروفون بأهل الحل والعقد هم المتعاقدون (المبايعون)، وطالب الخلافة في الجانب الآخر هو المتَعاقد معه (المبايَع)، ولا يصحُّ عقد الخلافة شرعاً إلا بهما إذا استوفى شروطه الشرعيَّة المحددة. أمَّا طالب الخلافة أي (المبايَع)؛ فيجب أن تتوفَّر فيه شروطٌ عديدة، وهي على الأقل ما يسمَّى بشروط الانعقاد التي تتطلَّب تمتعه بسبع صفاتٍ، منها: أن يكون معلوماً من أهل البلاد، أي غير مجهول الحال والعدالة من قبلهم، كما كان حال الرسول (saws) لدى الأنصار من الأوس والخزرج.
وأمَّا المبايِعون لطالب الخلافة؛ فيشترط أن يكونوا من أهل البلاد المالكين لها القادرين على تجسيد رضا النَّاس وجمع كلمتهم فيها له، كما كان نقباء الأنصار من أهل المدينة المالكين لزمامها القادرين على تجسيد رضا وكلمة أهلها، فقد كانوا فعلاً أمام الرسول (saws) على من فيهم وعلى قومهم كفلاء، وكانوا يعرفون الرسول (saws) حقَّ المعرفة، ولذلك صحَّت البيعة من قبلهم.
وأمَّا عن المعقود عليه؛ وهو نظام الحكم الذي يبرم العقد بين المتعاقدين على العمل به، فإنَّه يجب أن تتَّفق إرادة المتعاقدين أو المتبايعين في عقد الخلافة على تحديد دستور الدولة وأنظمتها تحديداً واضحاً يعكس رضاهما التَّام، ولا يكفي في عقد الخلافة العموم؛ وذلك لأمرين اثنين، الأول: لوقاية الدولة والقضاء من الفوضى والتناقض في الأحكام بتعدد الاجتهادات، التي تنجم عن جهالة مصادر التشريع وجهالة طريقة الاجتهاد. والثاني: لتمكين الأمَّة من القيام بواجبها تجاه الدولة بالمراقبة والمحاسبة، ممَّا يضمن حسن تطبيقها للإسلام وحسن سيرها في الحياة.
وقد أدرك الأنصار علام يبايعون الرسول (saws) إدراكاً محدَّداً في بيعة العقبة قبل أن يبرما معه عقد الحكم. كما أظهر الصَّحابة فيما بعد حرصهم على وضوح المتعاقد عليه، حينما اشترطوا على عثمان وعلي رضي الله عنهما ضرورة الالتزام بمنهج الشيخين قبلهما في الحكم حتى تُجري العقد لأحدهما. وذلك لأنَّ الجهالة بأساسيّات نظام الحكم الضروريَّة للنَّاس يضر بالدولة والمجتمع والأمَّة، وعليه فلا تنعقد الخلافة شرعاً لمن جُهل دستوره ومنهاجه وطريقة اجتهاده. ومن الجهالة بمكان، العمل على المذاهب الأربعة لاختلاف طرائقها في الاجتهاد، واختلاف الأحكام بينها.
إنَّ الجماعة التي تسعى لإقامة الخلافة الإسلاميَّة يجب أن تتَّبع طريقة الرسول (saws) في إقامتها ويتحتَّم عليها أن تتلبَّس بالأعمال المباشرة المحدَّدة لإقامتها، ويحرم عليها أن تخالفها، كما أنَّ دولة الإسلام لا تقام بغير طريقتها الشرعيَّة.
ويمكننا إجمال طريقة الإسلام في إقامة الدولة بالأمور الآتية:
1- أن تحمل الجماعة الدعوة إلى الأمَّة الإسلاميَّة حملاً مؤثراً؛ حتى يوجد لديها الرأي العام المنبثق عن وعيٍ عامٍ على دولة الإسلام ودستورها وتشريعاتها، لتصبح مطلباً ملحَّاً للأمَّة. كما فعل الرسول (saws) في المدينة، إذ أرسل مصعب بن عمير إلى أهلها وهو يحمل لهم مشروعاً نهضويَّاً إسلاميَّاً محدَّداً، فقد دعا إليه أهل المدينة ليقتنعوا به ولينقادوا له ولدعوته.
فيتبيَّن من ذلك أنَّه لا يكفي أن تقدِّم الجماعة إلى النَّاس شعاراتٍ فضفاضةً أو أفكاراً جزئيَّة غير مترابطةٍ ولا تغطّي احتياجات الأمَّة في الدولة والمجتمع والحياة؛ وذلك لأنَّ السلطان للأمَّة فهي المسؤولة في الأساس عن حفظ الإسلام وتطبيقه في الحياة، والخليفة نائبٌ عنها في الحكم، فلا بد أن تعرف علام تنيبه وأن ترضى بدعوته لتختاره؛ ومن يأتي بغير اختيار الأمَّة ورضاها عنه وعن مشروعه فسلطانه غير شرعيٍّ، ويحرم عليه أن يمارس الحكم بلا سلطانٍ منها حتى وإن حكم بالإسلام، بل يجب منعه من الحكم لقوله (saws): «على اليد ما أخذت حتى تؤديه»، وعدم الركون إليه لقوله تعالى: ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكم النَّار…﴾.
2- أن تبحث الجماعة عن أهل النصرة في مراكز القوة والمنعة في البلاد كقادة جيوش الأمَّة لاسترجاع سلطانها المغتصب من حكام الضرار في بلادها. فقد بحث الرسول (saws) عن قبائل العرب القويَّة، ولم يقهر أهل مكَّة ولا غيرها من القبائل الصغيرة رغم قدرته على ذلك، واستمر في طلب النصرة من أصحابها رغم ما لقيه من صعوبات حتَّى وافاه الأنصار، فثبت بذلك أنَّ التزام هذا الطريق واجبٌ حتميٌّ على كلِّ جماعة إسلاميَّةٍ تعمل لإقامة الخلافة.
3- أن تعمل الجماعة في وجهاء النَّاس وقادة الفكر في الأمَّة لجذبهم إليها وإلى مشروعها الإسلامي الذي تحمله. فقد دعا الرسول (saws) زعماء مكَّة إلى الإسلام، وخاطب صغار القبائل به من غير أن يطلب النصرة منهم.
4- بعد تمكن الجماعة من الحكم تعلن على الأمَّة عن البيعة التي أخذت وعن الخليفة الذي بويع وعن العاملين الذين انعقدت بهم البيعة، وتستدعي أولئك الوجهاء والقادة، وتطلب منهم مبايعة خليفة المسلمين، لترسِّخ البيعة وتضمن مناصرة الدولة. وبذلك تكون الأمَّة ومن يمثلها؛ هم الذين أقاموا الخلافة بعد استرجاع سلطانها المغتصب، وتكون الجماعة المظفَّرة هي التي حقَّقت الرجوع إلى الأمَّة وأخذ مشورتها ورضاها عمَّن ينوب عنها، وعمَّا تنيبه فيه حسب الأصول الشرعيَّة المقرَّرة.
وأخيراً أقول لكلِّ من يسعى لإقامة الخلافة على منهاج النبوة؛ هذا هو طريقة إقامتها فسيروا به واقتفوا به أثر رسولنا الكريم ولا يلفتنكم عنه صعوبة الطريق وكثرة التضحيات ولتعلموا أن الخلافة عصية على التشويه مهما حاول البعض تشويهها؛ ونقول لهذا البعض دون تردد خبتم وخاب مسعاكم، فالخلافة الراشدة المرتقبة تتأبَّى على التشويه، وتتعالى على التزييف، ولن يعيقها كيد الكائدين ولا بطش الباطشين أبداً؛ لأنَّها تجذَّرت في قلوب الأمَّة المؤمنة، ويحمل لواءها رجال ربانيون نذروا أنفسهم لله، وهم بإذن الله تعالى ماضون حتى إقامتها؛ راشدة على منهاج النبوَّة، هذا هو الحق وليس بعد الحق إلا الضلال، ولمثل هذا فليعمل العاملون.
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾

































