المقال التالي اختصار مترجم من بحث قام به بعض شباب حزب التحرير في بريطانيا عن تصورهم للإجراءات العملية التي يجب أن تتخذها دولة الخلافة حال قيامها. وهو وإن كان تصوراً مختصراً وليس كاملاً لأفراد، ولكنه يعطي فكرة عن الإجراءات العملية التي قد تكون لازمة لتخطي المرحلة الأولى الحرجة حين قيام دولة الخلافة، وهذا البحث يجب أن يكون حاثًّا للشباب لمزيد من التفكير فيه، وفي المشاكل التي قد تواجه الدولة وفي كيفية التغلب عليها. ونعتذر لركاكة قد تلاحظ في بعض الجمل نظراً لأن الموضوع مترجم.
أولاً: ما يجب توفره في البلد التي يراد إقامة الخلافة فيه:
لابد وأن يكون هناك رأي عام واعٍ على فرضية الحكم بالإسلام وإفراده بالسيادة في المجتمع .. وهذا ولله الحمد موجود رغم المحاولات التي تُبذل لتشويه الإسلام باستخدام المحسوبين على ما يسمى بالتيار الإسلامي.
إن الحاكم الحقيقي والحامي للدولة القطرية العلمانية هم قادة المؤسسة العسكرية الذين تعتمد عليهم أمريكا ومن ورائها الغرب الكافر في الحفاظ على علمانية الدولة، وعلى هؤلاء أن يتعظوا بمن سبقهم ويسارعوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، وإلى رضوان من الله أكبر بنصرة المخلصين العاملين لإقامة الخلافة، فإذا انحاز هؤلاء أو الجزء الأقوى فيهم إلى أمتهم واستجابوا للنصرة فحينئذ تكون الأسباب قد تهيئت لقيام الخلافة.
فعلى كل مخلص أن يعمل على إيجاد الرأي العام في بلده على وجوب إقامة الخلافة، وعليه أن يفهم هذا المشروع فهماً جيداً وأن يساند في تطبيقه تطبيقاً انقلابياً شاملاً كاملاً.
ثانياً: عند الانتقال الحقيقي والعملي لحكم الإسلام كاملاً حال قيام الدولة يجب الالتزام بالآتي:
1. الحفاظ على تماسك المشروع الإسلامي عقيدة وشريعة وأفكارًا ومقاييس وقناعات خلال التحول إلى الدولة الإسلامية. فلا يمكن ولا يُسمح بخرق هذا المشروع أثناء أي عملية تحول، كما يجب أن تكون هذه العملية انقلابية شاملة. ولا يسمح بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وبخاصة مشاركة السلطة مع الأنظمة أو التكتلات أو الأحزاب التي لا تفرد الإسلام ونظمه بالسيادة وإن كانت تتحدث عن الإسلام وغيره. فالله أخبرنا يقيناً بعدم وجود أي نصر ولا ولاية منه في حال معصيته أو التوافق مع غير شرعه ودينه. فلا نجد هناك مثالاً واحداً لنجاح أي تجربة إسلامية عند محاولتها مشاركة السلطة في نظام قائم مخالف للإسلام.
2. وضع خطة تحول إلى نظام الخلافة الإسلامية، ويبدأ التطبيق الشامل من اليوم الأول للوصول إلى سدة الحكم، ويجب شرح نظام الخلافة للناس باستفاضة. والمراحل التي ستمر بها الدولة في بداية عهدها نراها في ثلاثة:
المرحلة الأولى: بناء أنظمة الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار
المرحلة الثانية: وضع وتنفيذ خطط متوسطة المدى
المرحلة الثالثة: وضع وتنفيذ خطط طويلة المدى
المرحلة الأولى: وهي تتضمن بناء أنظمة وهيئات ومؤسسات دولة الخلافة، وأيضًا تحقيق قدرا من الأمن والاستقرار يسمح للدولة أن تنتقل إلى المرحلة الثانية.
هناك جوانب في المرحلة الأولى تحتاج إلى اهتمام زائد، وأخرى يمكن أن تُترك للتفكير والمتابعة في المرحلة الثانية.
فعلى سبيل المثال: لا يجوز التأخر في معالجة ميزانية الدولة بصورة عاجلة. وهذا يشمل طريقة الحصول على الموارد، وطريقة الإنفاق بحسب الأوجه الشرعية. ويعتبر هذا الجانب هو مفتاح الاستقرار ومرهون به بقاء الدولة في الفترة الأولى الحرجة. ولكن نظام التعليم على سبيل المثال، فيمكن إرجاء مناقشة تفاصيله للمرحلة الثانية. ورغم أن هذا موضوع ذو أهمية إستراتيجية، إلا أن تطبيقه وبروز نتائجه سيستغرق عدة سنوات.
وسيُعمل على إبقاء الموظفين الإداريين والخبراء قدر المستطاع، فلن نكون كمن يحاول أن “يخترع العجلة من جديد”، إذا كان الأمر يتعلق بالخبرة الفنية للجهاز الإداري للدولة. فمن الحصافة وحسن الإدارة الإبقاء على أكبر عدد من “التكنوقراطيين والبيروقراطيين” الحاليين إذا توفرت فيهم المهارة، مع الحرص على تغيير الثقافة العامة في مؤسسات الدولة إلى الثقافة الإسلامية الصحيحة، وتعيين موظفين منهم موثوق بهم، ولديهم – إضافةً إلى الخبرة الإدارية في الوزارات الرئيسة – توجهات سياسية مطابقة لتوجهات الدولة في المناصب الإدارية العليا. ويُطلب من هؤلاء التأكد من سير الخطط على نهج النظم الإسلامية.
وسيساعد ذلك الخليفة في الاتصال والإشراف على كبار الإداريين، وسيمكنه من استخدامهم بطريقة جيدة في تسيير شؤون البلاد. ونفس هذا المبدأ ينطبق على خبراء آخرين، مثل الخبراء القانونيين.
3. التغييرات الجذرية التي على الخليفة أن يقوم بها:
أ- في السلطة التنفيذية (الحكم):
سيتولى الخليفة (رئيس الدولة) القيادة الفعلية والمباشرة لقوات الجيش والأمن. وله الحق في تعيين قياداتهما العليا، وفق ما يراه ملائما.
وسيقوم الخليفة بإصدار دستور جديد فوراً، منبثق من العقيدة الإسلامية ومأخوذ من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي المعتبر. كما سيتضمن الدستور ملحقاً يشرح طبيعة الإصلاحات المزمع إجراؤها.
كما أن التعيين العاجل للمعاونين والولاة والعمّال والحكام في كل المناطق سيمكِّن من التطبيق العاجل للدستور وللسياسات التي تبناها الخليفة. وللخليفة أن يستخدم صلاحياته في تعيين سلطة تنفيذية فعّالة لتطبيق الميزانية وجمع الأموال المشروعة في كل محافظة وقرية.
ب- في الاقتصاد والمالية
يمكن تلخيص المرحلة الانتقالية فيهما كالتالي:
1. تخفيض كبير في الإنفاق العام عن طريق:
أ- وقف تسديد القروض الربوية
ب- وقف الإنفاق على أمور تحرمها الشريعة أو لا تفرضها
2. إيجاد مصادر أخرى لدخل الدولة والموارد طبقا للأحكام الشرعية
أ- إلغاء كل أنواع الضرائب على السلع والخدمات
ب- الموارد المالية للدولة هي خراج الأرض الزراعية، والجزية، وخمس الركاز، والفيء والغنيمة، والعائد من ملكية الدولة من أراضٍ ومصانع وغيرها، ومال من لا وارث له، والضرائب الشرعية التي تفرضها على رعاياها من المسلمين لسداد نفقات الدولة اللازمة. أما الزكاة، فالدولة مكلفة بجبايتها كاملة، ولا تُصرف إلا على الجهات الثمانية التي بينتها الآية، والتوزيع بين هذه الجهات يتم باجتهاد الخليفة.
أما الملكية العامة ومواردها الضخمة من بترول وغاز وثروات معدنية وغيرها، فإن الدولة مكلفة بإدارتها واستخراجها نيابة عن الأمة، وتوزع أرباحها أو أعيانها على الرعية باجتهاد الخليفة، أو تخصص مواردها لصرفها على أمور أجازها الشرع وفرضها على الأمة كالجهاد، أو على المرافق العامة التي هي جزء من الملكية العامة كبناء الطرق وسكك الحديد والجسور والبنية تحتية بكل أشكالها.
ت- البدء في حصر الأراضي الزراعية وتقييم الخراج الذي سيضرب عليها من قبل الخبراء، حيث يبدأ تحصيل أول مبالغ منها خلال إثني عشر شهرا، أو بانتهاء الموسم الزراعي الأول.
ث- سيتم إخطار مالكي الأراضي الزراعية غير المستخدمة بالإسراع بتزريع هذه الأراضي أو تعرضها للمصادرة وفق الأحكام الشرعية.
ج- يُتوقع أن يستغرق إيجاد مصادر أُخرى للدخل الحكومي، كالضرائب الاضطرارية وفق الأحكام الشرعية، ثلاثة أشهر.
ح- الملكية العامة لقطاع المعادن والطاقة لا تدخل في ملكية الدولة ولكنها تدار من قبلها، وسيوجه العائد من الغاز والبترول والثروات المعدنية الأخرى في قسم خاص من بيت مال المسلمين مخصص للملكية العامة، وستصرف كما هو مبين أعلاه.
3- إصلاح الإنفاق العام، وتطوير البنية التحتية باستغلال الموارد طبقا للأولويات
4- تحويل عملة الدولة إلى النقد الشرعي المغطى كاملاً بالذهب والفضة، وذلك بالأوزان الشرعية المعتبرة، وهو 4.25 غرام لدينار الذهب و2.975 غرام لدرهم الفضة، وسيحدد سعر التحويل بناءً على معدلات الاحتياطي من الذهب والفضة، وأسعارها التجارية.
5- استمرار العجلة المالية للدولة أثناء فترة التحول
ا- ويمكن للدولة أن تلجأ إلى احتياطي الذهب والعملات الأجنبية، والذي يكفي، كما هو الحال في مصر، لتغطية الإنفاق الطارىء لأكثر من عام.
6- دعم عاجل لدوران الثروة واستعمال الإجراءات التالية لرفع معدل هذا الدوران:
أ- إيقاف دفع أقساط الديون الخارجية والداخلية، وهذا سيؤدي إلى زيادة قوة الإنفاق، وإلغاء الديون التي غطتها فوائد أقساطها، ومصادرة أموال من انتفع بفوائد هذه الديون لحسابه الخاص.
ب- إلغاء حوافز الاستثمارات التي تدار بفوائد، والتي أدت إلى زيادة الأموال في الأنشطة التجارية غير الإنتاجية.
ت- زيادة قوة الإنفاق نتيجة لإلغاء الضرائب على جميع السلع والخدمات
ج – في العمل السياسي:
الإسراع بإيجاد التمثيل السياسي، والتحضير لانتخابات مجلس الأمة ومجالس الولايات، والسماح بتشكيل أي أحزاب على أساس العقيدة الإسلامية.
د- في القضاء:
– الإبقاء على جُلّ القضاة، مع إعطائهم كل التعليمات والإرشادات اللازمة في فصل الخصومات وإنزال العقوبات وفق الأحكام الشرعية.
– البدء في ترتيب المحاكم مع نهاية المرحلة الأولى
– وضع آلية تساعد القضاة على الوصول إلى خبراء الشريعة لاستشارتهم بسرعة، لتسهيل العملية القضائية وسرعة إصدار الأحكام
هـ – في الإعلام:
ا- للمؤسسات الإعلامية المستقلة كامل الحق في القيام بعملها، شريطة ألا تنشر أراء تتعارض مع أحكام الشريعة.
ب – ستخصص قناوات تليفزيونية لدولة الخلافة، بغرض عرض السياسات وتحقيق الشفافية وإعلام الأمة بكل ما تواجهه هى والدولة من صعوبات وما تحقق من نجاحات. وسيكون من واجب هذه القنوات الدعوة إلى الإسلام وعرضه على العالم كمبدأ شامل للحياة بشكل لافت للنظر، وكذلك نشر الثقافة الإسلامية بين أبناء الأمة كي تساهم في إنشاء جيل جديد يفهم أمور دينه بالشكل الصحيح، وستكون هي الأداة الرئيسة في المرحلة الأولى لتوثيق الصلة بين الدولة والأمة.
ج – نداءت إلى المسلمين في الغرب وفي كل مكان آخر في العالم
ستوجه الدولة نداء إلى المسلمين المقيمين خارج الدولة الإسلامية، خاصة أولئك أصحاب المهارات التكنولوجية، والذين يملكون الخبرة في رسم السياسات والإدارة وإدارة الأعمال، إلى غير ذلك من الخبرات. ونأمل أن يتحول تدفق الخبرات إلى الداخل إلى عامل هام مساعد فى إنشاء البنية الأساسية في الأيام الأولى للدولة.
المرحلة الثالثة: المراجعة والتعديل والإصلاح
ستراجع الخطط التي أُنشئت في المرحلة الأولى والثانية. وهذه الخطوة ستساعد على الانتقال من مرحلة تحقيق الاستقرار والبقاء، إلى مرحلة الانطلاق وأخذ زمام المبادرة.
هذا وسيتم تكوين لجان تعمل على التنسيق بين الدوائر والإدارات المختلفة، لخدمة مصالح الناس ورعاية شؤونهم بشكل سريع وعلى أفضل وجه. وستشمل هذه اللجان جوانب عديدة، من بينها التعليم والثقافة والبنية الأساسية، والإصلاح التجاري والأمن العام والإصلاح الاجتماعي.
وفى الختام، نهيب بكل المسلمين:
– أن يؤمنوا بالحلول الإسلامية
– أن يفهموا قوة هذه الحلول ويتدبروها
– أن يعملوا على إقناع الآخرين بجدوى هذه الحلول ونجاعها
– أن يطالبوا بتطبيق هذه الحلول في كل البلاد الإسلامية
– أن يرفضوا الحلول العلمانية وأي حلول علمانية ترتدي لبوساً إسلاميا فضفاضاً لاتحمل من الإسلام إلا الاسم.
– أن يشرحوا للناس خطورة المنهج التدريجي وأنه ليس من الإسلام في شيء، وبيان أنه يحمل في حقيقته حلولاً علمانية لم تنجح من قبل، وأن هذا المنهج وقبل كل شيء يغضب الخالق سبحانه وتعالى.
– العمل مع حزب التحرير لإيصال الإسلام إلى سُدة الحكم، وتنصيب حاكم ينوب عن الأمة في تطبيق الإسلام، حتى تنطلق القوة الكامنة في الإسلام عقيدة ونظاماً بإقامة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة التي ستحمل الإسلام رسالة هدى ونور إلى ربوع الدنيا كلها.

































